
تأتي دعوة الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي للمصالحة التاريخية بين المغرب والجزائر في سياق حساس، بعد القرار الأخير لمجلس الأمن الذي جدّد دعمه لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها المملكة المغربية عام 2007 لحل النزاع حول الصحراء.
يشير المرزوقي من خلال تدوينته إلى ضرورة تجاوز خلاف الصحراء وإحياء الاتحاد المغاربي، معتبرا أن الوقت قد حان لإخراج المؤسسة الإقليمية من حالة الجمود التي عاشتها على مدى عقود. ويؤكد على الحقوق الأساسية التي يتطلع إليها المواطن المغاربي، من حرية التنقل والاستقرار والعمل والتملك والمشاركة في الانتخابات المحلية، وهي رؤية تتناغم مع روح التعاون والتنمية المشتركة بين دول المنطقة.
يمكن قراءة هذه الدعوة في إطار عدة مؤشرات استراتيجية: أولها هو الانتصار الدبلوماسي للمغرب الذي عزز موقفه الإقليمي والدولي بعد تصويت مجلس الأمن، حيث صادق 11 دولة على القرار، وامتنع 3 عن التصويت دون اعتراض أي دولة دائمة العضوية، في حين لم تشارك الجزائر في التصويت. هذا المناخ الدولي الإيجابي يخلق فرصة مناسبة لإعادة النظر في العلاقات الثنائية بين الرباط والجزائر.
ثانيا، تأتي دعوة الملك محمد السادس في خطابه إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لإجراء حوار أخوي وصادق، كمؤشر على إرادة المغرب لبناء علاقة قائمة على الثقة وروابط الأخوة وحسن الجوار. هذا الموقف الملكي يعزز إمكانية تجاوز العقبات السياسية والتاريخية التي أعاقت مسار التعاون المغاربي، ويؤسس لمرحلة جديدة من التفاهم المشترك.
ثالثا، يمكن اعتبار تصريحات المرزوقي جزء من تحركات فكرية وسياسية واسعة تسعى لإعادة إحياء الاتحاد المغاربي، مستفيدة من المناخ الإيجابي الذي خلفه القرار الأممي، وما يترتب عنه من تهيئة الظروف السياسية والشعبية لدعم حوار إقليمي فعال.
في المحصلة، تشكل هذه المبادرات فرصة لإعادة ترتيب أولويات المغرب العربي، بحيث تصبح القضايا التنموية والاجتماعية والاقتصادية مشتركة، وتغلب روح العقل والحكمة على خلافات الماضي. وإذا ما توفرت الإرادة السياسية لدى جميع الأطراف، يمكن أن يشهد المغرب العربي مرحلة جديدة من التعاون والتقارب، تعزز الأمن والاستقرار، وتفتح آفاقا اقتصادية وثقافية وحضارية واسعة لصالح شعوب المنطقة.




