هشام جرندو: من إعطاء النصائح في مراكمة الثروة… إلى تحقيق الثروة عبر الاسترزاق بقصص خيالية

في عالم الثراء الوهمي، يظهر لنا بطل المرحلة: هشام جرندو، الذي انتقل بقدرة قادر من توزيع النصائح في فيديوهات متواضعة الجودة عن “التحفيز الذاتي” و”قوة النية”، إلى حصد الأموال من صناعة محتوى قائم على “كشف الأسرار” و”هدم الدولة” و”محاربة الفساد من كندا”.
في بداياته، كان جرندو يُطلّ علينا من قناته على اليوتيوب بمقاطع مليئة بالنصائح حول كيفية مراكمة الثروة والنجاح المالي، من قبيل: “استيقظ باكراً”, “قل لنفسك أنا غني”, و“اشرب ماءً دافئاً مع الليمون قبل النوم”. تلك الفيديوهات، التي لا تزال منشورة حتى اليوم، كانت أقرب إلى عروض تحفيزية بصوت مراهق اكتشف لتوّه كتب التنمية البشرية على رف متجر مستعمل.
لكن فجأة، اكتشف جرندو أن الطريق الأقصر نحو المال ليس الإدخار، بل بيع الخيال السياسي المغلف بالسحر الأسود والخرافة. نعم، لم يكتفِ بتقمص دور الثائر، بل راح يخلط بين ما قرأه في بعض كتب الأساطير القديمة وما شاهده في حلقات مسلسلات بوليسية رخيصة، محاولًا إسقاط تلك الهلوسات على الواقع المغربي، كمن يشرح السياسة بعقلية طفل يروي قصة عن المومياء المسحورة.
أحيانًا يتحدث عن الأمن المغربي وكأنه جهاز خارق يملك مفاتيح الكون، يتعقبه عبر الأقمار الصناعية، ويزرع له عملاء بين جدران بيته الكندي! لكن الغريب أن تلك القصص تفتقد لأي منطق، وتثير الضحك لدى كل من له أدنى معرفة بعالم السياسة والأمن. أما هو، فيؤمن بها كما يؤمن الطفل بأن الساحرة تطير على مكنستها في السماء.
فتحول جرندو من “مدرب وعي مالي” إلى “ثائر أسطوري”، وبدأ يقدم نفسه كخبير في ملفات المخابرات، محلل سياسي، فقيه دستوري، وضحية مطاردة دولية. لا أدلة، لا مصادر، فقط لحن درامي وصوت جهوري وجملة مشهورة: “غادي نفضح كلشي”. وما يثير السخرية، أن من ادعى محاربة الفساد، لم يفضح سوى فاتورة كهرباء خاله أو حارس موقف سيارات اتهمه بالتجسس.
أما الثروة، فقد جاءت فعلاً. لا من العمل الجاد، بل من الدعم الساذج لمتابعين يظنون أن الثورة تبدأ من زر “لايك” وتنتهي بحساب بايبال.
وها هو اليوم يفتح بثاً مباشراً كل أسبوع بعنوان “الأسرار الكبرى” ليعيد تدوير نفس الرواية: “أنا هارب، لكنني أقوى”، “يريدون تصفيتي، لكنني محمي”، “أنا المنقذ، والبقية كاذبون”… بينما يضع خلفه ستارة رمادية رخيصة ويشرب من كوب بلاستيكي!
ومن كان بالأمس يعطينا دروساً في الادخار على اليوتيوب، صار اليوم يدرّس كيفية العيش على تبرعات الخوف والتضليل.
أما النية الصافية التي طالما تغنّى بها، فقد تحوّلت إلى حساب بنكي لا يعرف سوى كلمة مرور واحدة: “الوهم مربح أكثر من الحقيقة.”