المغرب

نزار بركة يعلن تراجع نسبة ملء السدود الى 32 في المئة وسط جدل حول الاسباب الحقيقية

افاد وزير التجهيز والماء نزار بركة يوم الثلاثاء 14 اكتوبر ان نسبة ملء السدود بالمغرب بلغت حاليا 32 في المئة مقابل 40 في المئة في شهر ماي الماضي. انخفاض يناهز ثماني نقاط في اقل من خمسة اشهر، وهو ما يثير تساؤلات حول الاسباب الحقيقية وراء تراجع حقينة السدود.

واوضح الوزير ان انخفاض المخزون المائي يعزى اساسا الى حجم الامدادات المخصصة للفلاحة والماء الصالح للشرب، اضافة الى تبخر نحو 650 مليون متر مكعب من المياه بفعل موجات الحرارة المفرطة التي عرفها المغرب خلال الصيف.

لكن هذا التفسير المناخي، وان كان صحيحا جزئيا، لا يمكنه وحده ان يفسر تراجعا بهذا الحجم، في وقت تقدر السعة الاجمالية للسدود المغربية باكثر من 18 مليار متر مكعب. فحتى باحتساب الخسائر الناتجة عن التبخر، يبقى الفارق بين ما يفقد طبيعيا وما يستهلك فعليا كبيرا، ما يستدعي قراءة اعمق للمشهد المائي.

من الناحية العلمية، تؤكد تقارير دولية، من بينها تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، ان معدلات التبخر في شمال افريقيا ارتفعت بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة خلال العقدين الاخيرين. لكن هذه النسبة لا تكفي لتبرير فقدان مئات الملايين من الامتار المكعبة في فترة قصيرة، خصوصا في ظل محدودية التساقطات التي بلغت، حسب الوزير، 142 ملم فقط خلال الموسم الفلاحي المنصرم.

التحليل الاقتصادي يكشف وجها اخر للازمة. فالمغرب خلال العقد الاخير وسع من رقعة الزراعات الموجهة للتصدير في مناطق تعاني هشاشة مائية مثل سوس ماسة والرحامنة والزاوية والجنوب الشرقي. هذه الزراعات، خصوصا الافوكادو والطماطم والبطيخ الاحمر، تستهلك كميات ضخمة من المياه الجوفية والسدودية. فانتاج كيلوغرام واحد من الافوكادو يتطلب نحو 10 الاف لتر من الماء، بينما يحتاج الهكتار الواحد من البطيخ الاحمر الى ما بين 7 و9 الاف متر مكعب سنويا.

ورغم هذه الكثافة المائية، توجه نسبة كبيرة من هذه المنتجات نحو الاسواق الاوروبية، ما يجعل المغرب يصدر الماء في شكل سلع فلاحية بدل ان يحافظ عليه كمورد استراتيجي للامن الغذائي والمائي الوطني.

من جهة اخرى، اشار الوزير الى ان الحكومة سرعت وتيرة انجاز مشاريع تعزيز الموارد المائية، من بينها بناء 14 سدا كبيرا قيد الانجاز، وبرمجة 11 سدا اضافيا ما بين 2025 و2027. غير ان هذه المشاريع، رغم اهميتها، تبقى حلولا هيكلية طويلة الامد، بينما الازمة الحالية تعكس اختلالات تدبير الموارد وتوجيهها اكثر مما تعكس ندرة طبيعية بحتة.

باختصار، يمكن القول ان التبخر ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، بينما يقف في العمق نموذج فلاحي غير متوازن يستهلك الموارد المائية من اجل الربح الخارجي بدل تامين الحاجات الداخلية. واذا لم يعد النظر في هذا التوجه، فقد تتحول السدود نفسها الى مجرد احجار عارية تذكرنا بان الماء لم يتبخر فقط من الطبيعة، بل من السياسات ايضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى