منذ التاسع عشر من يناير، تشهد مدن جزائرية عديدة موجة واسعة من المظاهرات قادها تلاميذ الإعداديات والثانويات للتعبير عن غضبهم من وضع النظام التعليمي في البلاد. من الجزائر العاصمة إلى وهران وتيزي وزو، تتوالى الاحتجاجات التي رفع خلالها الطلاب شعارات تُطالب بتحسين جودة التعليم، وتحديث المناهج الدراسية، وتوفير ظروف ملائمة للتعلم بعيداً عن الأيديولوجيات البالية. وفي الوقت الذي تعالت فيه أصوات هؤلاء الشباب، واجهتهم السلطات بالتجاهل، بل وبالرد على طريقتها المعتادة: إقالة المسؤولين الناقدين للنظام.
في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس عبد المجيد تبون إقالة عبد القادر بن معروف، رئيس محكمة الحسابات، في خضم الأزمة الطلابية. جاء القرار متزامناً مع تقرير أصدرته المحكمة في ديسمبر 2024، كشف بوضوح عن الأوضاع المتدهورة للنظام التعليمي في الجزائر. التقرير، الذي حمل عنوان “المدرسة الجزائرية وتحديات الجودة: الإطار الاستراتيجي 2015-2030″، أكد أن النظام التعليمي الجزائري يُعد من بين الأسوأ عالمياً.
تقرير يكشف الفشل والنظام يرد بإقالة الناقدين
أبرز التقرير سلسلة من النقاط التي تؤكد تدهور قطاع التعليم، منها عدم تحقيق الحد الأدنى من عدد الأسابيع الدراسية المطلوبة، وضعف المناهج، وقلة الساعات المخصصة للمواد الأساسية مثل الرياضيات مقارنة بدول مجاورة مثل تونس، بالإضافة إلى الاكتظاظ في الفصول الدراسية وسوء اختيار مواقع المدارس الجديدة.
وبدلاً من مواجهة هذه المشكلات، اختارت الحكومة الجزائرية الالتفاف حول الأزمة من خلال تهميش التقرير واتهام الطلاب المحتجين بأنهم أدوات في يد “جهات أجنبية تسعى إلى زعزعة استقرار البلاد”.
مظاهرات تتجدد والنظام في حالة إنكار دائم
ليست هذه المرة الأولى التي يخرج فيها الطلاب الجزائريون إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم. فمنذ عام 2008، تكررت الاحتجاجات لأسباب مشابهة دون أن تتخذ السلطات خطوات جادة لمعالجة الوضع. ومع كل موجة احتجاجية، يلجأ النظام إلى تبريراته التقليدية عبر اتهام “أيادٍ خارجية” بتحريض الشباب على التظاهر.
وبينما تتفاقم الأزمة التعليمية وتزداد الفجوة بين الطلاب والسلطات، يظل النظام الجزائري متمسكاً بسياسة الإنكار، متجنباً أي مواجهة حقيقية مع المشكلات الجوهرية التي تُنذر بمزيد من الغضب الشعبي في المستقبل القريب.