
في ظل التحولات السريعة والتهديدات المتنامية العابرة للحدود، يواصل المغرب تعزيز منظومته الأمنية الوطنية، واضعًا الأمن القومي في صدارة أولوياته الاستراتيجية. ومنذ مطلع العقد الأخير، أصبح الأمن القومي مفهوماً متكاملاً يتجاوز الحماية العسكرية ليمتد إلى الأمن السيبراني، والاستخباراتي، والصحي، والغذائي، وحتى البيئي.
فمن خلال تعاون وثيق بين المديرية العامة للأمن الوطني، والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الديستي)، والقوات المسلحة الملكية، تمكن المغرب من بناء جهاز استخباراتي فاعل أثبت نجاعته في تفكيك شبكات إرهابية قبل بلوغها مرحلة التنفيذ، سواء داخل البلاد أو عبر تعاون دولي وثيق مع أوروبا والولايات المتحدة.
ويُجمع المراقبون على أن الفاعلية الأمنية المغربية لم تعد تُقاس فقط بعدد العمليات الوقائية، بل أيضاً بقدرتها على التوقع، والاستباق، والتنسيق، وهو ما يتجلى في منع محاولات تهريب أسلحة، ومواجهة الخطر السيبراني، وتحييد عناصر مشبوهة داخل الأحياء الحضرية والقرى على حد سواء.
وفي هذا السياق، برزت أهمية الأمن الحدودي، خاصة مع التوترات في منطقة الساحل والصحراء، حيث كثّف المغرب من مراقبته لمناطقه الشرقية والجنوبية، مع دعم البنية التكنولوجية للمراقبة، وإنشاء شراكات ثنائية ومتعددة الأطراف لمواجهة الإرهاب والاتجار بالبشر والمخدرات.
كما لا يمكن فصل الأمن القومي المغربي عن الدبلوماسية الأمنية، إذ أصبح للمملكة دور ريادي في ملفات الهجرة، ومكافحة التطرف، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، ما جعلها شريكًا موثوقًا في أكثر من ملف استراتيجي دولي، من نيجيريا إلى إسبانيا، مرورًا بفرنسا والولايات المتحدة.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، يتضح أن الأمن القومي في المغرب لم يعد مجرد “جهاز”، بل هو رؤية متكاملة، تنخرط فيها مختلف المؤسسات، وتُبنى على قاعدة استباق التهديدات لا انتظارها، مما يجعل المملكة نموذجًا يُحتذى به في محيط إقليمي مضطرب.