فضيحة المعاشات الفرنسية: 80 مليون يورو صُرفت دون وجه حق في الجزائر… والجالية أول المتضررين من سياسة التصعيد

تحقيق خاص – باريس
في تقرير لافت صدر هذا الأسبوع، كشفت محكمة الحسابات الفرنسية عن معطيات صادمة بخصوص الاحتيال في معاشات التقاعد الفرنسية الموجهة إلى الخارج، واضعة الجزائر في صدارة الدول التي تستفيد من معاشات دون وجه حق، في وقت تتصاعد فيه التوترات بين باريس والجزائر.
وبحسب التقرير، فإن حجم الاحتيال في الجزائر لوحدها يتراوح بين 40 و80 مليون يورو في عام 2023، من أصل 1.1 مليار يورو صُرفت في المجمل لمتقاعدين مقيمين هناك، ما يجعل الجزائر أول بلد خارج فرنسا في تلقي معاشات التقاعد من النظام العام الفرنسي.
وفيات غير مصرح بها و”معمرون” مشبوهون
أحد أبرز أوجه هذا الاحتيال يتمثل في استمرار صرف المعاشات لأشخاص متوفين لم يتم التصريح بوفاتهم، وهو ما تم كشفه من خلال عمليات تدقيق شملت عينات في الجزائر والمغرب وتركيا.
ووفقا للتقرير، تم تحديد ما بين 2% و5% من حالات الوفيات غير المصرح بها ضمن العينات التي فُحصت منذ سنة 2022، وذلك بفضل تكوين موظفين متخصصين في كشف التزوير الوثائقي.
وطرحت محكمة الحسابات كذلك علامة استفهام حول العدد المرتفع لذوي المئة عام الذين يتقاضون معاشات تقاعدية من الخارج.
فرغم أن النسبة (0.23%) تبقى أعلى قليلا من مثيلتها في فرنسا (0.19%)، إلا أن المحكمة ترى أن هذا لا يعني بالضرورة وجود عملية احتيال منظمة، بل يمكن تفسيره بعوامل ديموغرافية مرتبطة بسن المتقاعدين وبلدان ولادتهم.
باريس ترفع من وتيرة المراقبة خارج أوروبا
منذ سنة 2017، عززت فرنسا آليات مراقبة المعاشات التقاعدية في دول الاتحاد الأوروبي من خلال تبادل البيانات الرقمية.
أما في ما يخص الدول غير الأوروبية – وعلى رأسها الجزائر – فقد أعلنت السلطات الفرنسية عن مرحلة جديدة من المراقبة الصارمة، تنطلق ابتداء من سنة 2025، عبر زيارات ميدانية يُجريها شركاء محليون تحت إشراف ومتابعة مشددة من أجهزة الدولة الفرنسية.
تصعيد النظام الجزائري يهدد مصالح الجالية
في خضم هذه الأزمة، تبرز حقيقة خطيرة تتجاوز الأرقام والتقارير: ممارسات النظام الجزائري، بما في ذلك تصعيده المتكرر تجاه فرنسا ومحاولاته توظيف ملف الهجرة لأغراض سياسية، أصبحت تُهدد بشكل مباشر مصالح الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا.
ففي الوقت الذي تُلوّح فيه باريس بإجراءات ردعية مشددة، تتعلق بالتأشيرات والتعاملات القنصلية وتجميد الأصول، تأتي فضائح كهذه لتُعمق الهوة أكثر، وتجعل الجزائريين المقيمين في فرنسا – خصوصا كبار السن والمتقاعدين – في مرمى نيران صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
تُطرح هنا تساؤلات حقيقية عن ثمن العبث الدبلوماسي الذي يمارسه النظام الجزائري:
أليس من الأجدر أن تُركز السلطات الجزائرية على حماية مصالح مواطنيها بالخارج بدلا من الدفع بهم إلى الواجهة في معارك سياسية خاسرة؟
وهل يتحمل الجزائريون في الضفة الأخرى من المتوسط تبعات قرارات لا تخدم سوى الطبقة الحاكمة في الداخل؟
بينما تسعى فرنسا إلى فرض انضباط صارم في صرف معاشاتها، يبدو أن الاحتيال المزمن، المُتستر عليه في كثير من الأحيان، قد أصبح الآن مسألة ذات أبعاد دبلوماسية وإنسانية.
والأكيد أن استمرار هذه الممارسات، في ظل الأجواء السياسية المتوترة، سيؤدي إلى مزيد من التضييق على الجالية، ما لم تُتخذ إجراءات شفافة وعادلة من الطرفين، تضع الإنسان وكرامته فوق الحسابات السياسية الضيقة.