صفرو

صفرو : الدكتور عبد الفتاح الإدريسي البوزيدي يفتح أول نافذة "ونعترض" بمناسبة عيد الأم

playstore

غدا 21 مارس ستحتفل العديد من الدول العربية والإسلامية ب”عيد الأم” اعترافا بدور الأمهات في الأفراد ،والأسر ،والمجتمعات،ومناسبة لتقديم

عبارات الشكر والامتنان،وتوثيق وشائج الحب والتقديرالتي تشدنا إلى أمهاتنا .لكننا نعترض على التخصيص والتنصيص اللذين يقلصان من منسوب حبنا لأمهاتنا،ويختزلانه في زمان معين ،ويحصرانه في يوم محدد،فنحن نحب أمهاتنا في كل اللحظات والأوقات لأنهن القلب الذي يبقينا أحياء دائما.

pellencmaroc

تخصيص هذا اليوم لتقديم هدايا لأمهاتنا جحود وإنكار أكثرمنه اعترافا وامتنانا ،فالأم أكبر من كل هدايا الدنيا،وما في الوجود من شيء يساوي قيمها النبيلة ،وتضحياتها ونكران ذاتها، فهي أكبر هدية من الله عز وجل لنا،فكيف نقدم هدية لهدية؟ فما في الدنيا من هدية تليق بها.

إن مثل هذه  الأعياد والاحتفالات تدعم من حيث لا ندري فتورا عاطفيا وعقليا لأن حياتنا قاسية محتاجة إلى لحظات يشعر فيها الإنسان بذنبه وكساد عاطفته،هي إذن لحظة نتسامح فيها ونتصالح مع ذواتنا وغيرنا تصالحا ظاهريا مادام التصالح الحقيقي لا ينال،قد يكون هذا التصالح بالهدايا من علامات حياتنا الثقافية الجديدة التي لا يشغلها الوجدان الجماعي والتواصل اليومي،قد يكون لهذا التواصل نكهة خاصة شابها غموض انتقاما من قسوة الحياة،علينا أن نتأمل عمق علاقتنا بأمهاتنا،ومعرفة مغزاها الحيوي ولا علينا بعد ذلك إن كنا نقدم على هذا الاحتفال وشراء هذه الهدايا عن وعي أو غير وعي.

نحن مولعون بتبادل الهدايا، ويكاد يكون تاريخ هذه الصنيعة، وتاريخ الإلحاح عليها في أوقات معينة أمرا ذا بال. الهدية سنة حميدة إذا كانت لا تخفي وراءها حبا مشوها، وقديما كان الإنسان يعبر عن حبه بكلمات نبيلة وارتباطات حميمة. الهدايا أدل في حياتنا المتأخرة على فقد الوضوح وامتصاص الغضب، إن إخراج الأشياء من أجوائها ليس عملا سطحيا ،إنه أشبه بما جد على النفوس والعقول بفعل إكراهات الحياة. جدير بنا أن نظن أن الإنسان منصاع لشؤون المجتمع المتطورة وأساليبه في التفكير وأنه يحول مدلول الكلمات أو يعدل مساراتها من أجل الوفاء بأغراض لا يمكن أن نتجاهلها، فمابالنا نقضي العمر بحثا عن أشياء مادية محسوسة من قبيل الهدايا والتكلف.

تستبطن هذه الأعياد أزمة أساسية يحسن الإشارة إليها ببعض التساؤلات:أليس عجبا أن تتلون المحبة وتتغلف بغلاف الهدايا الموحية بعنف الإحساس ووطأة الانفصال وما يشبه التغني بالخارقة؟ أهناك ظروف ثقافية واجتماعية مستجدة تغري الإنسان بهذا الأسلوب الفريد من التفكك بين المرء ونفسه، وبينه وبين أقرب الناس إليه، وبينه وبين المجتمع.

حبنا لأمهاتنا مغروس في نفوسنا، نتنفسه مع الهواء، ونشربه ممزوجا بالماء، فهو طبع وسجية بين رغبة ورهبة، يبتدئ بأول صرخة ،ولا ينتهي إلا عند آخر شهقة، يجعل حياتنا عامرة ببواعث الرضا والتفاؤل والابتسام، لا نجد له إسما ولا تاريخ ازدياد محدد، سميه ما شئت رقية أوغيبا أو ناموسا أوقيمة ذاتية أواشتباها لأمر جلل يجبن عنه الضعفاء ويقوى عليه أولو العزم من الناس، إنه نموذج حي للتعارض بين روح العقل المتفلسف، وروح القلب المتصوف.

حبنا لأمهاتنا يفترض أن يكون مؤسسا على قيمتين كبيرتين مشتركتين بين جميع الأبناءهما:الإحسان والطاعة، وما يتفرع عنهما من دعاء صالح بالصحة والعافية عند الحياة ،وبالرحمة والمغفرة عند الممات ،عملا بقوله تعالى:(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ).سورة الإسراء الآية 23 _24 ،وقول الرسول عليه الصلاة والسلام (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)رواه مسلم.

لكن ما نوع الهدابا التي ينبغي على كل واحد منا أن يقدمها لأمه على الدوام ؟،هنا نختلف باختلاف مواقعنا وأعمارنا.

فأجمل هدية يقدمها التلميذ لأمه الاجتهاد والحصول على أفضل النتائج فذاك يثلج صدرها ،وخفف من قلقها واضطرابها، ويرفع شأنها أمام غيرها من الأمهات عندما يتحدثن عن أبنائهن

أجمل هدية يقدمها الرجل المتزوج لأمه إكرامها، وألا يفضل زوجته عليها فإن ذلك يدمي قلبها، ويدمع عينيها ،مع حرصه الشديد على أن يكفل لكل الطرفين حقهما، ويحفظ كرامتهما.

أجمل هدية يقدمها المغترب لأمه الاتصال الدائم بها، والسؤال عن حالها وسماع صوتها لأن البعد يمزق كبدها ويضاعف خوفها.

لاتنتظروا 21 مارس لمعايدة أمهاتكم، فالأم كالعمر لا تتكرر مرتين، ولو كان في الأرض جنة فهي الأم،إذا ماتت ينزل ملك من السماء يقول: يا ابن آدم ماتت التي كنا نكرمك من أجلها ،فاعمل لنفسك نكرمك.

وأخيرا أكتفي بالقول:(لأمهاتنا ننتمي، وبأمهاتنا نكتفي، ودون أمهاتنا ننتهي، اللهم اجعل أمهاتنا قريرات العيون، لا تشتكين هما، ولا حزنا، ولا مرضا.)آمين والسلام عليكم، وإلى الملتقى مع نافذة أخرى إن شاء الله.

playstore

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. تحية إلى المبدع صاحب الأسلوب الشيق الذي لا يمل (برفع الياء). حقا لقد أصبح زماننا يميل إلى المظاهر في كل شيء بما في ذلك علاقاتنا بأمهاتنا. فيما أصبحت وسائل الاتصال و التواصل تحرض و تشجع على التكاسل في القيام بواجبنا نحو آبائنا و أمهاتنا. و هكذا أصبحت مكالمة هاتفية معهم تمنعنا من تحمل عناء التنقل لرؤيتهم و سرقة لحظات مودة و وفاء في كثير من الأحيان متعللين بضيق الوقت و مشاغل الحياة. الله يسمح لينا من الوالدين و خلاص.

  2. حقا أخي الأم هي البنت الزوجة الأخت العمة الخالة…لأنها الجذر ،والشجرة لا تتعالى في الرفعة الا بصحة جذورها…تحية طيبة لدكتورنا العزيز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا