زمن"السيبة" الثاني

قبل 1912م عرف المغرب زمن “السيبة” الأول حيث كانت القبائل تعيش حياة الكر والفر والغارات الليلية التي يذهب ضحيتها العديد من الأبرياء؛ نساء وأطفالاوشيوخا، كما كانت تسبى النساء والفتيات كلما سنحت الفرصة بذلك، جاء على إثر هذه “السيبة” توقيع اتفاقية الحماية الفرنسية بعد سقوط هيبة الدولة، والآن ونحن نعيش زمن “السيبة” الثاني بدأنا نرى:
Ø سلوكات في مدرجات الملاعب سميت في البداية شغبا، لكن سرعان ما أصبحت حربا حقيقية، تخلف خسائر فادحة في الأرواح وممتلكات الدولة والأشخاص على مرأى ومسمع الجميع، بل الأدهى والأمر هو عندما يصبح من يفترض فيه ضبط الأمن هدفا لهؤلاء المشاغبين، يضرب ويسحل أمام عدسات وسائل الإعلام، وفي إطارحماية حقوق الإنسان بمجرد ما تضع الحرب أوزارها نسمع؛ لقد أطلق سراح المتهمين.
Ø أشخاصا يتجولون في الشارع العام وبحوزتهم سيوفا كأنهم طلبة بمعهد تكوين الجزارين، وبأم عيني رأيت رجال الشرطة يتوسلون بل يكادون يقبلون يد أحدهم وهو في حالة سكر طافح حتى يصعد إلى سيارة الشرطة ومصاحبتهم إلى المخفر، ذلك كله طبعا في إطار احترام حقوق الإنسان.
Ø اغتصاب الأطفال الذي كانت تقشعرالأبدان لمجرد سماع الخبر، أصبح أمرا مألوفا طبعنا معه، نفس الشيء بالنسبة لاختطاف واحتجاز واغتصاب القاصرات، والسبب في انتشار هذه الظواهر؛ الأحكام المخففة التي تراعي مبدأ احترام حقوق الإنسان طبعا. قديما كان الجاني إذا قضى شهرا في السجن يخرج إنسانا آخر باستطاعة الأطفال الاعتداء عليه ولايحرك ساكنا، الآن بمجرد خروجه يرتكب جرائم أكبرمن التي دخل بسببها أول مرة.
Ø نتذكر جيدا ماذا وقع لرجال الشرطة والقواة المساعدة في فض اعتصام” كديم ازيك” من قتل وتعذيب بدم بارد على أيدي انفصاليين خونة أمام أعين العالم، لا لشيء إلا لترضى عنا أمريكا وتجار حقوق الإنسان، رغم كل هذه التنازلات لم نسلم من سهام أمريكا واتهامها لنا بعدم احترامنا لحقوق الإنسان في تقريرها الأخير. رجاء يا أمريكا احتفظي لنفسك بديمقراطيتك وباحترامك لحقوق إنسانك، واتركينا بسلام لقد فهمنا الدرس جيدا من العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر. وللتوضيح فحماية حقوق الإنسان لايختلف فيها اثنان ولكن عندما يكون هذا الإنسان إنسانا.
أخيرا وليس آخرا المشهد البشع الذي هز مشاعر الجميع ــ وهو الذي دفعني لكتابة هذا المقال ــ والمتمثل في حلق شعر رأس وحاجبي نادلة قاصروإشباعها ركلا وصفعا – والكل يعرف الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها النادل في المغرب ـ على يد فصيل البرنامج المرحلي للنهج الديمقراطي القاعدي ذي المرجعية الماركسية اللينينية في “محاكمة جماهيرية” Ø على حد تعبيرهم، والتهمة: التخابر أو التجسس لصالح فصيل أمازيغي، وكأننا في رواندا أو بوروندي أوبورما ـــ مع احترامنا الشديد لهذه البلدان نتمنى لها السلم والاستقرارــ وليس في مقصف كلية العلوم التابعة لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، هذا الفضاء الجامعي الذي من المفترض أن يكون فضاء للتحصيل وصراع الأفكار، لافضاء للقتل وحلق الرؤوس، هذه السلوكات الشاذة يمكن أن نجد لها مبررات في مدرجات الملاعب أو في الشارع بحكم الأشخاص الذين يرتكبونها ( قاصرين، جانحين، “شمكارا”، متسكعين…)أما أن ترتكب في رحاب الجامعة على أيدي “علماء ومفكري البلد” مستقبلا فهذا غير مقبول تماما، هب أنكم أصبحتم ــ لاقدر الله ــ في مراكز القرار ماذا ستفعلون بخصومكم السياسيين، والخطير في الأمر أن الفصيل مقتنع بالحكم على النادلة، وهذه مجرد بداية لأحكام أخرى تنتظر ضحايا آخرين كما نشر في بلاغ له – نتمنى صادقين أن يكون ما نشر خطأ – وما يدمع العين بل ويدمي القلب؛ هوموقف المدافعات والمدافعين عن حقوق المرأة، والذين واللواتي أصموا آذاننا بالحديث عن تزويج القاصرات، والأمهات العازبات، والعنف الزوجي، والاغتصاب الزوجي و… لم نر لهم لا وقفات احتجاجية أمام البرلمان، ولا اعتصامات أمام المحاكم للمطالبة بالاقتصاص من الجناة كما يفعلون في حالة خصام أو مشاجرة زوج مع زوجته أم أن شيماء ليست من هؤلاء حتى تستحق الدعم والمساندة وتكبير صورتها ورفعها في المسيرات والوقفات الاحتجاجية.- تبا لكل منافقة ومنافق-
أعتقد جازما أن الأحزاب السياسية هي المسؤولة على تفريخ هذه الفطريات في الفضاءات الجامعية، اتركوا من فضلكم الجامعة تقوم بدورها، إنها لم تعد تحتضن إلا أبناء الفقراء، أما أبناء الميسورين فمقاعدهم مضمونة ومحجوزة سلفا في المعاهد العليا الخاصة داخل البلد أوخارجه، والدليل على ذلك ؛الضحايا الذين سقطوا في الساحات الجامعية جراء هذه الصراعات “الخاوية” سنجدهم من أسر بسيطة، ونفس الشيء بالنسبة للمتهمين بارتكاب هذه الجرائم، وبالتالي يكون الكل ضحية جهات تحركهم عن بعد، نصيحة من طلبة سابقين عاشوا هذه الصراعات: لاتقبلوا بأن تكونوا كراكيز تتحرك بخيوط والمحرك خلف الستار، كونوا طلبة بمعنى الكلمة لاتكونوا أذنابا لأحد، لاتساهموا في زمن “السيبة ” الثاني الذي قد يسقط هيبة الدولة لا قدر الله.