المغرب

الدكتور صلاح الدين دكداك يكتب : "فيروس كورونا ….دروس وعبر"

playstore

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وبعد ،

 لا أحد ينكر حنينه إلى الرجوع إلى حياتنا الطبيعية العادية ، لقد اشتقنا إلى كليتنا العتيدة والتجوال بين جنباتها ، وجعلني التأمل الذاتي وأنا في فترة الحجر الصحي أنتبه إلى العديد من الأمور التي كنت أغفل عنها ، و أحسست بأنين المدرجات وهي خاوية على عروشها ، وانتبهت إلى أن كليتنا تملك حديقة  جميلة جدا من الورود  والزهور  عند بداية الباب الرئيسي ،لكنني لم أكن أتمتع بمنظرها وبرائحتها العطرة بل كنت أدخل إلى المدرج مسرعا لإلقاء المحاضرة .

sefroupress

    إكتشفت أيضا أن الصلاة بمسجد الكلية والأكل بمقصفها لهما طعم خاص لم أدركه إلا وأنا سجين بين أربعة جدران.

   تحضرني أيضا لحظة تاريخية كبرى من لحظات السعادة بكليتنا المجيدة ، عندما أجدها عامرة بطلبتنا الأعزاء وهم يناقشون قضايا العلم والجامعة ويستنسخون المحاضرات والدروس والمصادر والمراجع ، وكلهم طموح وحيوية ونشاط من أجل غد أفضل، وأعينهم تلمع وتبتسم وتعترف بشرف الانتماء إلى كليتنا المجيدة .

   تذكرت أيضا مشهدا رائعا لكليتنا في الصباح الباكر وأصوات علمائنا الأجلاء تصدح بذكر الله وتسمع من المدرجات أثناء إلقائهم للمحاضرات وتضفي على المكان سحرا وهيبة خاصة.

   إشتقت إلى زملائي الأساتذة وتبادل أطراف الحديث معهم واقتسام لحظات الفرح والسعادة بيننا.

       إن الكلمات تخونني وأجد صعوبة كبيرة في التعبير فلم أشبع من كل هذه النعم الرائعة التي حبانا الله بها ، والتي في لحظة غفلة قد يعتبرها البعض أمرا عاديا وينسى التمتع بها  بل يبحث عن المزيد !!!! وينسى أن يحمد الله عليها ويكثر من شكره وهو القائل جل جلاله : “لئن شكرتم لأزيدنكم”[1].

   لقد جاءت جائحة كورونا لتنبهنا إلى غفلتنا وتقصيرنا تجاه الله وتجاه أنفسنا وتجاه أحبابنا ، ولتذكرنا بأننا نملك نعما كثيرة لا تعد ولا تحصى بل ونملك الدنيا بحذافيرها مصدقا لقول نبينا الكريم عليه أزكى الصلاة والسلام : منْ أَصبح مِنكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ ، مُعَافَىً في جَسدِه ، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها”.[2]

     فالصحة والعافية نعمة ، ولقمة العيش الهنية نعمة ، واللقاء بالأحباب والأصحاب نعمة ، وحرية التجوال نعمة ، وحرية التسوق نعمة ،  والدراسة بالكلية نعمة…….وقس على ذلك من العديد من النعم التي لا تعد ولا تحصى ولا يمكن حصرها ، وأغلبنا غافل عن استحضارها ومداومة شكر الله عليها  فاللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

   لقد اتضح لنا بما لا يدع  معه مجالا للشك أن الإنسان ضعيف جدا ، فلا ينبغي له أن يغتر ، فمجرد فيروس صغير جدا استطاع أن يربك جميع حساباتنا ويشعرنا بالقلق والهلع ، وهي فرصة لكل متكبر متجبر أن  يتواضع ويرجع إلى الله ويتوب إليه ويكف عن ظلم نفسه وظلم غيره.

    فالتوبة والرجوع إلى الله هما  الدواء و العلاج لأنه جلت قدرته هو الكاشف لهذا البلاء مصداقا لقوله تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [3].

     فالله جل جلاله هو الوحيد الكفيل بشفائنا من جميع الأوبئة والأمراض وعلى رأسها مرض صامت خطير اسمه (التعود على النعم) وهو أن تألف نعم الله عليك وكأنها ليست نعما !!!، وأن تتعود الدخول على أهلك وتجدهم بخير فلا تشكر الله على ذلك !!! ، وأن تشتري ما تريد دوم شكر المنعم ، وأن تستيقظ في أمان دون أن تحمد الله !!!

      ختاما لدي يقين وإحساس دفين بأن الله سيفرج عنا هذه الغمة ، وستعود إلينا من جديد اللمة ، وسينقذنا الله من فيروس الموت ، مثلما أخرج يونس عليه السلام من بطن الحوت وهو يناجي ربه منكسرا متضرعا متذللا  : “لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”[4].

……………………………………………………………………………………………………………………………………………………..

    مع أزكى التحيات والتقدير “لموقع صفرو بريس” العتيد ولجميع الساهرين على إدارته ، سائلا العلي القدير أن يزيدكم نجاحا وتألقا وأن يرفع عنا البلاء والوباء .

……………………………………………………………………………………………………………………………………………………..

من إعداد : الدكتور صلاح الدين دكداك.

      أستاذ الفقه المقارن بالقانون بكلية الشريعة بفاس.

      دكتوراه في الفقه والقانون بكلية الشريعة بفاس.

      مدير مجلة الفقه والقانون.



[1] – سورة إبراهيم ، جزء من الآية 7.

[2] – رواه البخاري في “الأدب المفرد” (رقم/300) والترمذي في “السنن” (2346) وقال : حسن غريب .

[3] – سورة يونس ، الآية 107.

[4] – سورة الانبياء ، جزء من الآية 87.

playstore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا