عندما يتحوّل الصحفي من باحث عن الحقيقة إلى صانع لأوهام، ينكسر مبدأ المصداقية وتتزعزع ثقة الجمهور في مهنة الصحافة برمتها. ما فعله علي لمرابط أخيراً يجسّد مثالاً مؤسفاً على هذا الانحراف المهني، إذ اختار شخصاً يحمل الجنسية الإسرائيلية ليقدّمه على أنه “مقاوم فلسطيني”، في تناقض صارخ مع المنطق. فكيف يُعقل لشخص حصل طوعاً على جنسية دولة يفترض أنه يقاومها أن يُعدّ مناضلاً في سبيل قضية عادلة؟ إنّ من يتبنّى صفة المقاومة يستحيل أن يسعى للحصول على جنسية خصمه، فالمبدأ النضالي لا يسمح بهذه الازدواجية السافرة.
إن زجّ القضية الفلسطينية في هذه المسرحية الإعلامية الهزلية ليس سوى اعتداء معنوي على نضال حقيقي قائم على التضحيات والشرف. فالقضية الفلسطينية ليست بطاقة “جوكر” تُستخدم لتلميع صور المجرمين أو لتسويق قصص واهية، بل هي معركة تاريخية خاضها رجال ونساء في ظروف بالغة الصعوبة، واصطفّت وراءها شعوب مؤمنة بالحق والكرامة. حين تُستغل هذه القضية السامية لتبرير أفعال خارج القانون، يتحوّل التضليل إلى جريمة أخلاقية ومهنية.
ما زاد الطين بلّة هو اعتماد لمرابط على مصدر إسرائيلي مجهول، كمن يزرع الريح ليحصد عواصف الشك. فالصحافة التي تنهض على تحقيقات رصينة ومصادر موثوقة لا يمكن لها القبول بتبرير رواية خيالية كهذه. وفي مواجهة هذا التدليس، فإن واجب الصحفيين الشرفاء والمراقبين الحريصين هو كشف الزيف ووضع النقاط على الحروف، فالحقائق لا يمكن تشويهها بمجرد قلم منحاز أو سردية ملفقة. وفي نهاية المطاف، تبقى الحقيقة الرصيد الأقوى، فهي كفيلة دوماً بتعريّة الأكاذيب وإعادة الاتزان إلى المشهد الإعلامي.