نم… نم أيها السيد المصلح التقي الورع نومتك الهنيئة الأبدية! نم قرير العين مرتاح البال وسط مدينتك الصغيرة المفضلة! لقد التزموا بما به وعدوك،و عن مدينتك ما أبعدوك ..لا تقلق ،و لا تحزن ! فانت لست وحدك. أنت محفوف بنيام كثر. واعلم جيدا بأنهم على عهدهم لك باقون، وإلى جانبك سيظلون. فمنهم من سبقك، ومنهم من نام بعدك، لكن والأهم، هو أن لا أحد سيخلف وعده لك… آه لو تعلم كم من الامتيازات لديك! فأنت لا تنام في العراء كما ينامون، ولكنك تمتلك بيتا يأويك. فمن شدة البرد وغزارة المطر يقيك سقفه، ومن شدة الحر ولفحات اللهيب تظلك أشجاره…
وهاهو العم قدور آت.. ً مقدمك ً الذي وهب حياته في سبيلك، وقرر العيش من أجلك. هاهو يدخل بيتك مقدما رجله اليمنى تيمنا بك وطمعا في كرمك. لقد اعتاد المجيء طوعا في كل مساء لينظف بيتك، ويشعل شموعك التي تنير ليلتك وتؤنس وحدتك!! آه لو تعلم كم واحدا يغبطك، ويتمنى أن يصير مكانك وينعم بنعمك، وأن ينفخ في روحه بما يجعله يفرض هيبته في الأرض ويصير مصدرا لكل السلطات: يطلب منه ويتذلل له!
أنت تحفظ كل الأسرار، وتعرف كل الأشرار والأخيار.كم من الهموم مرت على رأسك! وكم من صنوف البشر لاقيت في طريقك! لقد جاؤوك طالبين راغبين متوسلين. منهم من أراد زواجا، ومنهم من أراد طلاقا.. منهم من أراد صفحا، ومن أراد انتقاما.. وكذلك منهم من هو غريب وطامع في عودة لحبيب… لست أدري إن كنت مازلت تذكر ذلك الطفل ذا الاثني عشر ربيعا ، الذي اعتاد التردد على مسكنك والصلاة تحت قدميك طالبا المساعدة. كان يأتيك بالهدايا والشموع، مرة بعلم والديه، ومرات من ورائهما، طامعا في مساعدته على النجاح في الامتحان، ولما خاب رجاؤه، كفر بك وأنكر نعمتك، وجمع كل الشموع والهدايا التي وهبك، وأعاد بيعها في السوق، ليصرف ثمنها في شراء الحلويات ولعب البليار. أما زهرة.. زهرة الفاتنة الجميلة التي طلقها زوجها دون إذنها وهي صغيرة السن. فتذكر كيف اقتحمت عليك خلوتك ، وهددت بالضياع راحتك! تذكر كيف عرت رأسها، ونكشت شعرها كغولة، ثم انطلقت في الدعوات عليه وعلى عائلته بمصائب الدنيا والدين!
إني أعرفك جيدا.. أعرف بأنك فوق الشبهات، وما أنت بملب لكل الطلبات، خصوصا تلك التي تؤدي إلى دمار الأشخاص والجماعات، أو إلى خراب البيوت والمستقرات. أنت كريم ومتسامح، تتحمل كل شيء، حتى الإهانات لأنك تمتلك قوة الصبر وسعة الصدر، أرأيت كيف أهانك أولائك الشبان المتهورون المتسكعون الذين قصدوا بيتك بعد أن ضاقت بهم كل الأزقة والأماكن ذرعا؟! لقد كانوا يقضون نهارهم كله، خصوصا خلال شهر رمضان، في لعب الورق عند رأسك، وعندما يفرغون، يجمعون كل الشموع التي فزت بها خلال أيام، ثم يعيدون بيعها لكي ينفقوا ثمنها في شراء السجائر والحشيش.
والأسوء من ذلك هو انقلاب مقرك من مكان مقدس إلى مسرح للغراميات. أظنك قد شاهدت بأم عينك، وسمعت بأذنيك ذلك الشاب الذي أتاك في الصباح الباكر خلسة وفي سترة عن الأعين، برفقة خليلته. في البداية احترما كل الطقوس، بحيث قبلا قبرك، وتوسلا إليك في بعض الطلبات، ثم بعد ذلك انقلب كل شيء فوق رأسك، وأمام عينيك إلى عناق وقبلات ولهاث!!
إني متأكد جدا بأنك لم تكن تسمع أو ترى أو حتى تحس بشيء. أتعرف لماذا؟ لأنك ميت! والإنسان تنقضي حواسه بمماته. وحده الله عز وجل الذي يرى ويسمع ويحس. أعرف بأن هذا لم يفتك في حياتك، فأنت العالم التقي الورع الذي كان يدعو الناس لعبادة الله الواحد الأحد. كنت تنبذ كل من يشرك به، أو من يتخذ بينه وبين عباده وسيطا. نعم أنت حقا ولي الله بعلمك وبأفعالك، ولكنك لم تكن تتوقع في حياتك بأن أولائك الذين كنت تدعوهم لعدم عبادة الأشخاص وزيارة الأولياء، هم أنفسهم من سيجعلون من قبرك مزارا بعد مماتك، كأن ليس لديهم في الحياة ما يفعلون سوى البحث عمن يعبدون!!
أحييك أيها الأديب الناشئ على جرأتك الأدبية باقتحامك مخيال المغاربة الشعبي عبر الغوص في خبايا المقدس. نعم إن فطاحلة علم الاجتماع في البلاد العربية يتناولون مسالة المقدس بشكل خافت و لا يجرؤون على طرح الأفكار الواردة في قصتك بشكل صريح كما فعلت أنت(و خير مثال عمل الاستاذ العطري الذي صدر مؤخرا في كلية الآداب فاس سايس و كذا عمل الأستاذ العمراني "المؤسسات الدينية و الاجتماعية"كذلك و غيرها من الاعمال….) إن هذا العمل يشكل ثورة على المعتقد و هو ما يشكل مدخلا حقيقا لتصحيح مجموعة من السلوكيات الامر الذي يتطلب العزف على حبل المخيال الشعبي و لنا في مؤسسي الفلسفة الإنسانية(دانتي اليجيري في عمله الكوميديا الإلهية و غيره من رواد النهضة الأوربية) خير مثال على ما تذهب إليه في هذا العمل مؤسسا بذلك للثورة على الواقع المعيش.
tahiya adabiya adabiya wa faniya li adib kan tayi nisyan bravo akhi najib
je connais bien najib l'artiste celui qui est toujours à la quête de tout ce qui peut doter ses oeuvres de la plus belle empreinte artistique.ceci dit que ses exploits narratifs ne sont en fait qu'un prolongement de cette obsession de faire mieux, d'exceller . bravo si najib et tu dois continuer à servir les causes de ceux et de celles qui n'ont pas la chance ni le droit d'être écoutés.
.
مقال يتطرق الى ظاهرة اجتماعية كانت ولا زال يعاني منها المجتمع المغربي بالخصوص و العربي على العموم هي ظاهرة دات أبعاد اجتماعية تكرس مدى التخلف الدي وصل اليه المجتمع. أشكرك سي نجيب على اهتمامك بهدا الموضوع بطريقة أدبية محضه. شكرا.
قرأت العديد من النصوص الأدبية وكانت دائما تستوقفني الشخوص والأمكنة التي يستمد منها الكاتب مادته الأدبية لكن اليوم تيقنت أن الإبداع الأدبي مساءلة للفكر والوجدان وبحر من الذكريات والأحاسيس الجياشة وتعبير صادق عن مخيال المجتمع الذي عاش في كنفه الكاتب.
الجميل في إبداعاتك أن النص الأدبي ليس ترفا فكريا أو نصا مجانيا ولكنه يحمل في طياته حمولة قيمية بالدرجة الأولى وينبش في غياهب المنسي ويسبر أغوار السلوك الاجتماعي والنفسي للذات.
صفوة القول إبداعات جميلة ولذيذة مكتوبة بلغة أدبية منتقاة وأسلوب رصين بعيد عن المزايدات والتكلف وينطق بنغمات متعددة تسلل إلى الذات بطريقة عجيبة وتستفز المتلقي وتنال إعجابه.
مزيدا من التألق والإبداع