
لم تكن فرنسا بحاجة إلى مرسوم رسمي حتى تُدرك أن وسام “جوقة الشرف” الذي كان معلقًا على صدر نيكولا ساركوزي قد فقد بريقه منذ زمن. لكن الجمهورية الخامسة، في لحظة رمزية حاسمة، قررت أن تعلن ما هو معروف، وتجرده من أعلى وسام كانت قد منحته له ذات مجد سياسي، عندما كان يسير في قصر الإليزيه مزهوًا بسلطة الجمهورية، قبل أن يسقط في مستنقع الاتهامات والفضائح.
اليوم، 15 يونيو 2025، لم تُجرّد فرنسا نيكولا ساركوزي فقط من وسام “جوقة الشرف”، بل جردت عهدًا سياسيًا بأكمله من آخر ورقة تينٍ أخلاقية. القرار جاء بناءً على قاعدة قانونية صلبة: لا يحق لمن صدر في حقه حكم قضائي بالسجن عامًا أو أكثر أن يحتفظ بهذا الوسام. القانون واضح، والتنفيذ حتمي، لكن ما وراء القرار أبعد بكثير من نص قانوني جاف.
نيكولا ساركوزي لم يُدان فقط بالفساد، بل بزعزعة الثقة في رأس الدولة. هو رئيس سابق، لكنه كان أيضًا تجسيدًا لتلك الطبقة السياسية التي خلطت المال بالنفوذ، والمحسوبية بالقانون. وها هو اليوم، يصبح أول رئيس للجمهورية الخامسة يُسحب منه وسام الشرف منذ تأسيس النظام. المارشال بيتان، الذي سُحب منه الوسام بعد الحرب العالمية الثانية، فعل ذلك في سياق خيانة وطنية؛ أما ساركوزي، فخان مبدأ العدالة أمام القاضي، لا الوطن أمام العدو… لكنها خيانة من نوع آخر.
والمفارقة أن الرجل لا يزال يناور قانونيًا، مستنجدًا بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وكأن الشرف يمكن أن يُستعاد عبر المساطر القانونية لا عبر السلوك السياسي.
في الواقع، ما يُسحب من ساركوزي اليوم ليس وسامًا فحسب، بل ذاكرة. تُجرّد سيرته الرسمية من رمزية التقدير الجمهوري، وتُحذف من أرشيف “الأبطال السياسيين” الذين كرّمهم التاريخ.
وفي المقابل، تضع الدولة الفرنسية نفسها في موقف لا يخلو من النفاق الرمزي، فهي تُدين فردًا، لكنها لا تُراجع منظومة ساهمت في إنتاجه، ولا تعيد النظر في المؤسسات التي وفّرت له الغطاء لعقود.
فهل تجريد ساركوزي من الوسام تطهير متأخر؟ أم مجرد محاولة متأخرة لحفظ ماء وجه الجمهورية؟
الزمن وحده سيجيب، أما الشرف، فليس معدنًا يُعلّق على الصدور… بل سلوك يُثبت في اللحظات المفصلية.