المغرب يُعِدّ إصلاحات تشريعية جديدة لمواجهة الجريمة السيبرانية في ظل التحول الرقمي

يعمل المغرب في الفترة الحالية على إعداد مجموعة من الإصلاحات التشريعية الجديدة التي تستهدف مكافحة الجريمة الإلكترونية ومواجهة التحديات التي تفرضها التحولات الرقمية المتسارعة. هذا ما أعلنه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، مؤكداً أن وزارته بصدد مراجعة شاملة للنصوص القانونية ذات الصلة، في أفق تطوير منظومة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار تطور أساليب الجريمة الإلكترونية وتعقيداتها، مع ضمان التوازن بين حماية الحقوق والحريات ومواجهة التهديدات الأمنية.
وأوضح الوزير، أن هذه المبادرة تأتي بعد ملاحظة تشتت النصوص القانونية المتعلقة بالجرائم الرقمية، وتداخل بعض مقتضياتها، الأمر الذي يخلق صعوبات على مستوى التطبيق. وأشار إلى أن الإصلاحات الجديدة ستقوم على مبادئ رئيسية، أبرزها ضمان حقوق الإنسان في الفضاء الرقمي، وحماية حرية التعبير والتواصل عبر الوسائط الإلكترونية، إلى جانب مكافحة الأشكال الجديدة للجريمة عبر الإنترنت.
في هذا السياق، يعمل قطاع العدل على تعديل القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، قصد ملاءمتهما مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال محاربة الجريمة المعلوماتية، خاصة أن المملكة انخرطت منذ سنوات في عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، أبرزها اتفاقية بودابست التي صادق عليها المغرب سنة 2018، والتي تسعى إلى توحيد السياسات الجنائية للدول الأعضاء لمواجهة الجرائم الإلكترونية. كما وقّع المغرب، في ماي 2022، البروتوكول الإضافي الثاني للاتفاقية، والذي يهدف إلى تسهيل التعاون القضائي مع مزودي الخدمات الرقمية وتمكين السلطات المختصة من الحصول على الأدلة الرقمية بشكل سريع وفعال.
وتأتي هذه التعديلات في سياق تشهده المملكة من ارتفاع في عدد مستخدمي الإنترنت وتنامي المعاملات الرقمية، وما يصاحب ذلك من تطور في أساليب الجريمة السيبرانية، التي تشمل نشر الأخبار الزائفة، القذف والتشهير الإلكتروني، النصب والاحتيال الرقمي، التحرش السيبراني، والتلاعب بالمستخدمين، وهي ممارسات تُهدد بشكل مباشر الحقوق الأساسية للأفراد والحريات العامة.
يُذكر أن المغرب بدأ منذ سنة 2003 في تطوير إطاره التشريعي في مجال محاربة الجريمة المعلوماتية، حيث تم إدراج مقتضيات في القانون الجنائي تُجرّم الاعتداء على أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات. كما نص قانون القضاء العسكري الجديد على عقوبات ضد الهجمات السيبرانية التي تستهدف مواقع ومنصات تابعة لإدارة الدفاع الوطني. إضافة إلى ذلك، ساهم قانون الصحافة والنشر رقم 88.13 في محاصرة نشر المحتوى الإجرامي، خاصة التحريض على ارتكاب الجرائم، ونشر الأخبار الكاذبة عبر المنصات الإلكترونية.
وأكد عبد اللطيف وهبي أن الإصلاحات المرتقبة ستُعزز قدرات المغرب في التعاون القضائي الدولي، وستُمكن من تسريع جمع الأدلة الإلكترونية، بما يسمح بملاحقة المجرمين الرقميين بفعالية، مع الحرص على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطنين. وهي خطوة تنسجم مع الرؤية الشاملة للمغرب في تحديث منظومته القانونية لمواكبة التحولات الرقمية وضمان أمن وسلامة فضائه السيبراني.