اتخذ المغرب تدابير الحجر الصحي للوقاية من جائحة كورونا، والحفاظ على السلامة الصحية للأفراد والجماعات، وقد أشاد دول العالم بهذه الخطوة الإيجابية لبلدنا تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره، والانخراط الشامل لمختلف القطاعات والمؤسسات.
لكن هذا الإجراء الاحترازي باعتباره حلا استثنائيا قد يستفيد منه البعض ويصبح أكثر إيجابية وأكثر ضبطا لمهامه ومسؤولياته المنوطة به، وقد يكون سلبيا لفئة أخرى، ويخلف لها آثارا نفسية على المدى القريب أو البعيد، وحسب رؤية ذوي الاختصاص في علم النفس تصنف هذه االفئات إلى ثلاث شخصيات:
1- شخصية سلبية ترفض الحجر وتعتبره حبسا وخنقا وسلبا لحريتها، وتنكر الوباء ولا تخاف منه، وقد تكون هذه الفئة أكثر عرضة للمرض ونشره.
2- شخصية مطمئنة وتتخذ الإجراءات الاحترازية، وتقوم بمهامها على الشكل المطلوب.
3- شخصية لها خوف شديد من الوباء، وتعتريها وساوس صعبة.
وأطرح السؤال التالي كيف يمكن التدبير الإيجابي للحجر الصحي للوقاية من جائحة كورونا؟ والجواب عنه يمكن إجماله في مجموعة من النقط وهي كالتالي:
– تنظيم الوقت وإيجاد أنشطة نافعة، وتجنب النوم في وقت متأخر من الليل، ومحاولة الاستيقاظ في الوقت المعتاد، إذ الوقت له أهميته في حياة الإنسان، ولا يمكن تعويضه ولا استرجاع ما مضى منه، فيجب علينا أن نستغله أحسن استغلال، ونحن مسؤولين عنه أمام الله عز وجل الذي أقسم به في آيات كثيرة حيث قال عز وجل: (والعصر إن الإنسان لفي خسر) سورة العصرالآية1، وقال تعالى: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى) سورة الليل الآية1، وقال عزوجل:(والفجر وليال عشر)سورة الفجرالآية1، وغيرها من الآيات التي تبين أهمية الوقت واستعماله في طاعة الله تعالى.
– تنظيم الأكل وتجنب الإسراف والتبدير لقوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) سورة الأعراف 31، و تدريب النفس على الرضا بالقليل وعدم الإكثار من المتطلبات المعيشية.
– تخصيص حيز زمني لمراجعة الدروس مع الأطفال، والإكثار من المطالعة وتطوير بعض المهارات ، والاستفادة الإيجابية من الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي، وتعلم ما يفيد فالعلم نور يضيء ظلمة الجهل، وهو إرث الأنبياء، قال عليه الصلاة والسلام “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أوعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.” الجامع الصحيح للترمذي.
– الترويح عن النفس من الملل والضجر وضيق الصدر، و مشاركة الأطفال في خلق أنشطة ترفيهية وتطوير مهاراتهم وممارسة الرياضة المنزلية في حدود الممكن مع مراعاة حسن الجوار، يقول عزوجل: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله للرب العالمين لا شريك له) سورة الأنعام الآية 162، والترويح هو جانب من جوانب المحيا في حياة المسلم.
– المشاركة في الأعمال المنزلية، وتخفيف العبء على النساء ورفع المشقة عنهن، يقول عليه الصلاة: ” خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”. الجامع الصحيح للترمذي رقم 3895 ، والسيرة النبوية تزخر بالدروس والعبر وبالمواقف والتعاليم التي يتأسى بها المسلم في بيته.
– التغافل بين الزوجين وعدم تتبع العيوب وكثرة الانتقادات، يقول عليه الصلاة: ” لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر”. صحيح مسلم كتاب الرضاع باب الوصية بالنساء، رقم 2672. ومعنى لا يفرك: لا يبغض.
– التواصل مع الأهل والأحباب والأصدقاء والجيران ، والسؤال عن أحوالهم ومعرفة أخبارهم بالوسائل الممكنة داخل الحجر المنزلي، ولنا في ذلك نفس أجر صلة الرحم التي اعتدناها قبل الحجر الصحي.ودليله حديث رسول الله عليه وسلم الذي رفعه إلى الله عز وجل:”حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في، وحقت محبتي للمتواصلين في.”أخرجه الترمذي رقم 2390 وأحمد بن حنبل22080رقم واللفظ له. (والمتابذلين) من البذل والعطاء ابتغاء وجه الله تعالى ومحبته، فوجبت له محبة الله تعالى.
– الاقتصار على سماع الأخبار المتعلقة بجائحة كورونا من مصدر واحد حتى لا تتأثر النفوس وتدخل في الاكتئاب، وتجنب الأخبار الزائفة والإشاعات التي قد تزيد من القلق والانفعال، يقول تعالى: (ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) سورة الحجرات الآية 6 .
– يجب أن يكون الحجر الصحي فرصة للإقلاع عن بعض العادات والآفات السيئة كالمخدرات والكحول لما فيها من الإضرار بالعقل والنفس بصفة عامة، والعقل هو مناط التكليف وتحمل المسؤولية ، وإذا اختل العقل الإنساني اختل نظام المجتمع بوجه من الوجوه، كما أن اجتناب هذه الآفات سبيل لفلاح الإنسان، يقول الله عز وجل: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) سورة المائدة الآية 90.
– أداء الصلاة في وقتها والإكثار من النوافل لجبر نقص الفرائض وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: “إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيئا قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون سائر عمله على ذلك“. الجامع الصحيح للترمذي عن أبي هريرة. والإكثار من النوافل يفضي إلى نيل محبة الله تعالى، كما جاء في الحديث القدسي:” وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه” صحيح البخاري عن أبي هريرة رقم 6502.
– قراءة القرآن وتدبر معانيه،لما له من أثر في نفوس المسلمين، يقول الله تعالى:(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)سورة الإسراء الآية 82، ويقول عزوجل: (الذين أتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولائك يؤمنون به ومن يكفر به فأولائك هم الخاسرون) سورة البقرة 121، ويقول عليه الصلاة والسلام:”اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه”صحيح مسلم حديث 804. وقوله: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”سنن أبي داود.
– الاطلاع على السنة النبوية وفقهها في مواجهة الأوبئة، يقول عليه الصلاة والسلام فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ” سنن أبي داود رقم 4607 ، وقوله :”من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ” صحيح البخاري رقم 71والتفقه في الدين يكون من طريق الكتاب ومن طريق السنة.
– الإكثار من الذكر والدعاء والتضرع إلى الله تعالى برفع هذا البلاء سرا وجهرا. يقول عز وجل: ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) سورة الأحزاب41-42 ، وقوله تعالى: (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) سورة الأنعام 42-43.
– صدقة يجود بها المسلم على أخيه المسلم، يقول عليه الصلاة والسلام:” اتقوا النار ولو بشق تمرة” صحيح البخاري رقم 3595. وقوله أيضا:” سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر من هؤلاء السبعة: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه” صحيح البخاري كتاب الآذان وكتاب الزكاة. والصدقة سبب لعلاج الأمراض وحماية الأعراض، وفيها شكر العبد لنعم الله تعالى عليه.
– خلق روح التضامن والتكافل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات، للارتقاء بالمشاعر الإيمانية، والإحساس بالفقراء والمعوزين، وإسعاد الآخرين، وجلب المنفعة للأمة، يقول الله تعالى: (إنما المومنون إخوة ) سورة الحجرات الآية 10، ويقول عليه الصلاة والسلام: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” صحيح البخاري 6011.
– طلب الهداية والرشد من الله تعالى، فإذا هدانا الله تعالى وأرشدنا إلى الحق، فإنه قد هيأ لنا أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة ، مصداقا لقوله تعالى :(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) سورة البقرة الآية 186.
تلكم إذن بعض التدابير الإيجابية للحجر الصحي التي تم تأصيلها من الكتاب والسنة نفعنا الله بها وإياكم، ورفع عنا كل بلاء، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله.
الأستاذة فاطمة ملول كلية الشريعة فاس تخصص الأحوال الشخصية والتبرعات
عضو مختبر الشريعة والقانون والمجتمع بكلية الشريعة فاس
