المغرب

أحمد الدرداري يكتب : تحديات وحدة الأمة في ظل النزاعات الحدودية

playstore


مصطلح الأمة يستخدم للاشارة الى جماعة بشرية لها سيادة بطبيعتها، والجماعة كمجموعة من الناس يرتبطون فيما بينهم بجامع مشترك أو عدة روابط كالتاريخ و الدين والمصالح المشتركة، والأمة تعني أن الجماعة البشرية على قلب رجل واحد، فشخصيتها معنوية وعابرة للزمان والمكان ولمظاهرها مكانة مقدسة وشعورا بالفخر ورصيدا للتشبت بالحياة. ومفهوم الأمة الروحي يرتبط بالخير العام المشترك، وسياسيا قد يرتبط بمذهب ما او بالتعصب الى الهوية ونمط التفكير الذي يخلق أمة مغلقة، ولدينا أمة وطنية بحكم أن الامة قد ترتبط بالانتماء للوطن والتراب وتشمل كل الاجناس البشرية والمعتقدات. ولدينا أمة عربية وهي تتخطى الحدود الجغرافية للدول ولكنها تخفي الاجناس دون اعتراف صريح بها وبأهميتها، ولدينا الأمة الاسلامية وهي أوسع وأدق معنى لمفهوم الأمة (عالمية) لأنها تتجاوز حدود الدول العربية وتتجاوز الإنتماء العرقي والثقافي وتحتضن الأقليات الدينية. وفي الواقع فإن مفهوم الأمة يعرف أزمة بسبب السياسات الدولية والحملات الاستعمارية التي قسمت الأمة جغرافيا وميزت بينها بالشعوب والقوميات واعتمدت التقسيم بفارق سياسي، لاسيما في القرن العشرين بين دول إشتراكية وليبرالية وتقليدية.
إن مفهوم الأمة تأثر بالنزاعات الحدودية، وأشعلت الحروب رغم التقارب الكبير ثقافيا ودنيا وسياسيا وتارخيا. فالأمة العربية ليست هي الأمة الاسلامية بالضرورة، رغم ارتباط البعثة بنبي عربي وبلسان عربي، فالعروبة تشمل كل الديانات السموية التي كانت قبل البعثة واستمرت بعدها في نفس جنس الامة العربي. وحتى العرب من الناحية التاريخية هم سلالات وأعراق مختلفة وتمتد الى أصول متباعدة النسب. بحكم أن كثير من الأمم والحضارات والشعوب عاشت على كوكب الأرض وانقرضت ومنها من استمر نسلها الى اليوم.
ان البعض يربط العروبة بالإسلام وذلك فقط احتراما فقط للغة الوحي ونبي الوحي العربيين، ذلك أن الذين ناصروا الاسلام ودافعوا عن دين الأمة الاسلامية، أغلبهم لم يكونوا عربا، بل اعتنقوا الاسلام وهم من أجناس وأمم أخرى. واليوم هناك من يدافع عن الاسلام ولا يدافع عن العرب فالسياسة فرقت الأمة العرب (والإسلام جمع الأعراق و الأجناس)، والعرب اجتهدوا بمقياس عروبتهم ليختلفوا دينيا، وتمزق امتداد الأمة الإسلامية بسيف العروبة السياسي، علما أن الأمة بالمفهوم الروحي هو أسمى من أمور دنيوية.
وعليه فإن تحديد مفهوم الأمة رغم اختلاف المذاهب يبقى المدلول اذي يقوم على قيم الوسطية والإعتدال والتسامح وقيم التواد والتأخي ونبذ الكراهية والحقد هو المطلوب، أما الذي يقوم على تمجيد العنف وتسيس الأفكار والضرب في الأخرين واحتقار الانسان فيخلق أعداء للأمة أكثر .
لذا فسكان الأرض ينتمون لأوطان مختلفة ويحكمهم القانون أكثر من الدين ومن الثقافة، بحيث أن القانون يمكن أن يؤطر مفهوم الأمة المختلفة الثقافات والديانات و تنص دساتير الدول على الدين والسيادة والاختيارات والمبادئ التي تقوم عليها وحدتها.
والمغرب نص في تصدير الدستور على أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبتة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية الموحدة بإنصهار كل مكوناتها، العربية، الإسلامية، الأمازيغية، الصحراوية الحسانية والواسعة بروافدها الافريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية وتبوئ الدين الإسلامي الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبت الشعب المغربي بقيم الاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم بين الثقافات والحضارات بين الانسانية جمعاء. وعليه فإن مفهوم الأمة المنفتح يمشي عكس مفهوم الأمة العنصري أو المغلق الذي سبق لألمانيا ان اعتمدته في القرن العشرين.
فالأمة تقوم على التعاون والأخوة والتضامن والتعايش والتقارب والشراكة مع الأمم الأخرى … لكن ذلك يتطلب الوعي الكبير الذي يجعل من دائرة الخلافات والنزاعات ضيقة وهو ما ينعدم حتى داخل دول تتقاسم الكثير من القيم، والدول العربية عرفت صراعات كثيرة لاسيما في القرن العشرين والسبب هو مفهوم الدولة الذي حل محل الأمة.
فالصراعات والنزاعات الحدودية بسبب استبدال الاستعمار للجغرافية الدينية بالغرافية السياسية وقلل لذلك من الارتكان الى الدين وهو ما نتج عنه بناء الأمة السياسية، فمنها من نجح ومنها فشل في بنائها وضاع منه المفهومين معا. وماتزال النزعات قائمة لحد الآن، بحيث أن المشاكل الداخلية ومشاكل الحدود مردها الى ضعف القيم وتأكل مفهوم الأمة على حساب القانون الداخلي والدولي. ومن بين هذه الازمات طفت مسألة النزاعات بين الدول العربية والإفريقية وغيرها.
ذلك أن الدولة الحديثة تأثرت بالمستعمر و بالإديولوجيات وبالقوانين التي اعترضت الثقافات التقلدية للشعوب والأمم. وأقف هنا لتحيين النزاعات الحدودية بين المغرب والجزائر لأقول أن دولة الجزائر حسب تشريعاتها لم تصيغ مفهوم الأمة ولا تؤمن بالقيم التي ينص عليها المغرب كما جاءت في تصدير الدستور. بل حتى الأديولوجية السوفاتية ماتت في موطنها الأصلي، ومايزال أثرها وسوء توظيفها في مواجهة من تجمعهم بالجزائر قيم أكبر منها، والقول في هذا الجانب يجب أن يحتكم للتاريخ والدين أكثر من القانون والسياسة، لكن الجزائر تحتكم لمفهوم الدولة السياسي المغلق فقط . وعليه فإن النزاعات أضعفت قيمة الشعوب ووسعت الهوة وحلت الحروب محل السلم والتعاون والتسامح، والخطأ تتحمله الصفوة ونخبة العلماء والحكام الذين ينساقون وراء المصالح ضدا في القيم .
ان المغرب استصاغ مفهوما للأمة الذي يتماشي مع عولمة الحقوق والحرية والقيم المشتركة، وهذ راجع للوعي الكبير الذي يميز المملكة المغربية وروافدها التاريخية والثقافية والاجتماعية وهو ما يؤسس لمفهوم الأمة الافريقية الذي يمكن الاعلان عنه وتبنيه والتأكيد على قيم المحبة والتضامن والانفتاح والتعاون الافريقي واحداث برلمان ثقافي افريقي . كما يمكن احداث هيئة عالمية للتسامح والتعايش بين الديانات والحضارات للتأكيد على الترافع الناعم من اجل السلام والامن والاستقرار في العالم، وبه اسناد مهمة الوساطة الحضارية للمملكة المغربية لكون الشعب المغربي من أكثر شعوب الارض انفتاحا واعتدالا وتعايشا مع الديانات والثقافات .

pellencmaroc
playstore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا