تقديم.
حينما يقدم ضيف عزيز على أسرة من الأسر فإن هذه الأسرة تغمرها الفرحة والسعادة المطلقة، إذ يجدون فيه وعنده ومنه رغباتهم ومصدر سعادتهم، فهذا الإحساس هو واقع أسرنا بقدوم ذلك الضيف المبارك شهر رمضان، فكم كانت النفوس متلهفة لبلوغه وكم كانت متعطشة لوصوله، وضيف بهذه المكانة الرفيعة جدير بالحديث والطرح في جوانب عدة تهم الأسر المغربية المسلمة ،فصيام رمضان يعد تجربة رائعة يخوضها المسلم في كل عام، فتتجدد دماء الإيمان في عروقه وروحه ووجدانه وأحاسيسه، وتوقظ ضميره الخلقي وتحرك عواطفه تجاه الآخرين وتعززها وتقويها.
إن صيام رمضان وفي ظل الحجر الصحي الذي التزمت به بلادنا لا شك تجربة ذات أثر قوي من كل جوانب شخصية الفرد وسلوكه وشعوره وقيمه، واستنباط الأسر المغربية المسلمة ما للصيام من قيم تربوية واجتماعية من الأهمية بمكان خاصة في ظل استمار الحجر الصحي ببلادنا على جميع المستويات وكافة الميادين.
ومعلوم أن المرء لايتعلم ولا يأخذ القيم فقط عن طريق التربية النظامية في المدارس،ولكنه يتعلم ويأخذ القيم والأخلاق من الأسرة وفي الأسرة فهي لا شك مدرسة جامعة مؤهلة لتربية الأفراد على القيم الكبرى وفضائل الأخلاق وعلى كثير من العادات السلوكية الطيبة، فا لأسرة بهذا الاعتبار لها وزنها ومكانتها، ويزداد هذا الوزن في ظل تواجد مدرستين بجانبها مدرسة رمضان وما أدراك ما رمضان شهر القيم والأخلاق بامتياز،ومدرسة جائحة كورونا كوفيد 19 التي دخلت بلا استئذان، واستوطنت في بلادنا رغما عنا حاملة الوباء ظاهره الإذاية والضرر وباطنه والحكمة منه لا يعلمه أحد من خلق الله، فمن هاتين المدرستين تستلهم مدرسة الأسرة قيمها وأخلاقها ويعاد إليها وزنها.
فما هي أهم القيم التربوية والاجتماعية التي يمكن للأسر المغربية أن تقتبسها في ظل مدرسة رمضان ومدرسة جائحة كورونا كوفيد 19؟
للإجابة على هذا السؤال نقترح تناول الموضوع وفق الخطة المنهجية التالية.
ü المطلب الأول. قيمة التضامن والتكافل الاجتماعي.
ü المطلب لثاني. قيمة الجود والكرم.
ü لمطلب الثالث. قيمة الصبر وقوة التحمل.
المطلب الأول. قيمة التضامن والتكافل الاجتماعي.
في ظل هذا الشهر المبارك شهر رمضان واستمرار الحجر الصحي في بلدنا بسبب تفشي فيروس كورونا كوفيد 19، كان لا بد من تحقيق مبدأ التضامن الإنساني والاجتماعي، وهو ما يفرض على الأسر المغربية تعزيز هذه القيمة الجليلة لمواجهة هذه الأزمة إعمالا لمبدأ التضامن الدولي الذي أكدت عليه المواثيق الولية لحقوق الإنسان وتعاليم ديننا الحنيف، فالتضامن الاجتماعي مظهر من مظاهر التعاون بين البشر وفيه تحقيق لبعض صور التكافل تجاه الفئات الاجتماعية ألأكثر هشاشة لكونها أشد احتياجا إلى حقوق البقاء[1].
فالأسر المغربية مدعوة إلى إحياء ثقافة وسلوك التضامن الاجتماعي الأصيلة في ديننا وثقافتنا وأعرافنا،وهذا يقتضي المساهمة في توعية الأسر وتأطيرهم بغية التبرع بجزء من ثرواتهم لمساندة الجهود الوطنية المبذولة انطلاقا من المسؤولية المجتمعية.
ويعتبر الصيام مدرسة جامعة تعلم المسلم هذه القيم النبيلة، فمن خلال هذه المدرسة يحس المسلم بما يحس به الفقراء والمحرومون والبؤساء واليتامى فتقوى عاطفته نحوهم ويحسن إليهم مما أعطاه الله تعالى، وبذلك يكون للصيام قيمة في تربية الفرد على التضامن الاجتماعي .
ومعلوم أن الإسلام قد حرص على إقامة مجتمع متماسك مترابط فجعل من أفرداه وحدة قوية متماسكة لحمتها الصالح العام فقال تعالى ” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان”[2] وقال أيضا ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[3]، كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الوحدة بقوله ” مثل المزمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا ا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”[4]، فبقدر ما يتم تعزيز قيمة التضامن والتعاون بقدر ما يحقق المجتمع وحدته وتماسكه وقوته لمواجهة هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا، فالأخوة الحقة تستلزم التضامن والتعاون والتعاطف والتكافل بغية التغلب على ما يعترض المسلم من صعوبات ” وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو اطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين ءامنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة” [5]، فالمؤمن الكامل هو الذي يشارك أخاه في السراء والضراء والسعادة والشقاء، فقد قال عليه الصلاة والسلام ” لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين [6]
وهكذا نجد في كتاب الله وأحاديث رسوله الكريم ما يحض على الوحدة والتعاطف والتكافل بأسمى المعاني لدرجة أن هناك ربطا واضحا بين العبادة الحقة والوفاء بحق المجتمع ، فالإسلام يقرر مبدأ التضامن والتكافل الاجتماعي بين الفرد وأسرته وبين الفرد والجماعة وبين الجيل والأجيال المتعاقبة[7].
ويعد التضامن الاجتماعي وسيلة أكثر فاعلية نحو حماية التضامن الإنساني، ذلك أن الإنسان له حاجات كثيرة خاصة في ظل استمرار الحجر الصحي، حاجات لا يمكن إشباعها وتلبيتها إلا حينما يكمل الناس بعضهم بعضا وتكمل الأسر بعضها ببعض، ومن هنا كان لزاما أن تحرص الأسر على تمثيل هذه القيمة في هذه الظرفية الحرجة، فالتضامن الاجتماعي بين الإفراد يمكن من الحفاظ على الحقوق الإنسانية.
وهكذا فقد عبر ميثاق الأمم المتحدة عن هذه الحقيقة بقوله ” إن التضامن الإنساني بغية التقدم الاقتصادي والاجتماعي للناس كافة واجب تحرص على تحقيقه أجهزة الأمم المتحدة”، كما أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا التضامن[8].
وعلى هذا الأساس فإذا كان التكافل والتضامن الإنساني واجب فهو أكد وأوجب إذا كان بين المسلمين،فلا يمكن أن تستقيم عقيدة الإنسان وتسموا أخلاقه إذا لم يطمئن ويشعر بأن أن المجتمع الإسلامي يقف معه ويؤمن له حاجاته الضرورية عند العجز أو الحاجة[9]
ومن صور التكافل والتضامن التي يمكن الالتجاء اليها في هذه الظرفية من طرف الأسر المغربية أن يتم التنسيق بينها وبين الجمعيات المجتمع المدني ولو عن بعد، فيتم جمع أموال الزكاة والهدايا والصدقات وتوزيعها توزيعا دقيقا على الفقراء والمحتاجين، وهذا المشروع الخيري لا بد أن تتظافر فيه جهود وجهاء البلد وأغنياؤهم وشبابهم، يقول الأستاذ عبد الله علوان في هذ السياق ” لوقام المسلمون بهذا الواجب في كل حي وفي كل قرية وفي كل بلد لسدوا كل باب من أبوب الشكوى والحرمان ولقضوا على كل عوامل من عومل الفقر والحاجة”[10]
إن المجتمع الذي رسمه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم صورته باعتباره الجسد الواحد أو البنيان المرصوص لا يمكنه الشموخ إلا إذا اعتمد أفراد مجتمعه على إقرار مبد التضامن والتكافل الاجتماعي متضامنين متشاركين في جلب المصالح العامة ودرءا للمفاسد والأضرار بكل أنواعها.
المطلب الثاني. قيمة الجود والكرم.
معلوم أن المملكة المغربية ولله الحمد اتخذت تدابير وقائية وبطريقة استباقية لمحاصرة تفشي وباء فيروس كورونا المستجد،لكن إلى جانب هذه الإجراءات الوقائية تبرز ضرورة استدعاء الموروث الثقافي والقيمي والديني للمجتمع المغربي الذي يدعوا إلى العطاء والسخاء والكرم ونبذ الأنانية وتعزيز التعاون بين الأسر في هذا الشهر المبارك وفي ظل استمرار الحجر الصحي، فلا بد من تشجيع وتثمين مبادرات التطوع النابعة من قيم الكرم والجود المشهود بها للأسر المغربية.
وفي هذا السياق أشار الباحث الأكاديمي السيد أحمد البوكيلي إلى” أن الشخصية المغربية في عمقها الروحي والنفسي تتميز بالطيبوبة واليسر والتسامح والبذل والعطاء… داعيا إلى تعزيز هذه الخصال وتسويقها بطريقة ايجابية وفعالة…”[11]، فالجود والكرم من مكارم الأخلاق التي من تحلى بها أحبه الله تعالى وأحبه الناس كذلك،وهي دليل المروءة والرجولة والإنسانية الصادقة، وتزداد هذه القيمة مكانة في شهر رمضان وفي ظل استمرار الحجر الصحي وحاجة الناس إلى الميرة وما يسد حاجاتهم، فالجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما أخبر بذلك الصادق المقصود” إن في الجنة غرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها فقام أعرابي فقال: لمن هي يارسول الله قال،لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى لله بالليل والناس نيام”[12]، فشهر رمضان يعتبر فرصة طيبة تحتشد فيها كل الأعمال الإنسانية السمحاء التي عرفت بها الأسر المغربية والتي تعبر عن الكرم والشهامة وإعلاء فعل الخيرات وتعزيز التماسك الاجتماعي.
إن الغاية الكبرى من الصيام تحقي التقوى ” يأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”[13]، والتقوى مصطلح عام يندرج تحته كل ما فيه تمرين للنفس وتربية لها، ومن هذه التربية الإحساس بالجوع والعطش ومواساة الفقير من الغني بالتعاون معه شهرا كاملا خاصة في ظل استمرار الحجر الصحي ببلدنا،فمن خلال الصيام يحس الصائم الغني بما يحس به الفقير طوال حياته من الجوع والعط