العالم

المسرحية الجزائرية – البوليساريو… حينما تُدار السياسة من عالم مواز

من بين أكبر المهزلات السياسية والإعلامية التي تعيشها الجزائر اليوم، تبرز مشاهد اللقاءات “البروتوكولية” المكررة بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزعيم ميليشيا البوليساريو إبراهيم غالي، الذي لا يزال لقب “بن بطوش” يلاحقه كظلٍّ دائم بعد فضيحة دخوله إلى إسبانيا بجواز سفر جزائري مزور.
السلطات الجزائرية تعتقد أن هذه الاستعراضات الشكلية، إن أُحكمت تفاصيلها البروتوكولية، يمكن أن تمنح كيان “الجمهورية الصحراوية” الوهمية نوعاً من “الجدية” أمام الرأي العام، بل وتُستخدم لإزعاج المغرب. لكن ما يحدث في الواقع أن هذه المسرحية السياسية تتحول إلى مادة للسخرية الواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي المغربية، حيث وصف مغردون اللقاء الأخير بأنه “اجتماع رئيس الجزائر الشمالية برئيس الجزائر الجنوبية”، في إشارة ساخرة إلى غياب أي شرعية لما يسمى بالجمهورية الوهمية.
رد فعل مضاد للنجاح المغربي
توقيت هذا العرض السياسي لم يكن صدفة. فهو جاء كرد فعل متشنج على النجاح المغربي الدبلوماسي الأخير، حين استقبل الملك محمد السادس وزراء خارجية مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الذين أعلنوا انخراطهم الرسمي في المبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي وفتح آفاق تنموية جديدة لها. خطوة اعتبرها المراقبون نهاية صريحة لأوهام النظام الجزائري، وبداية عزلة إقليمية حقيقية لكيان البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي.
وفي مواجهة هذا التحول الجيوسياسي، لجأ النظام الجزائري إلى الانسحاب داخل وهمه السياسي، متصرفاً كما لو أن شيئاً لم يتغير، وكأن المشهد الدولي لا يتحرك. وكأن التقارب المغربي – الساحلي لا يعني شيئاً، ولا يستوجب مراجعة للمواقف أو السياسات.
الجزائر… سجينٌ داخل وهم
اختار النظام الجزائري أن يكتب لنفسه سردية خيالية، أقرب إلى الروايات المصطنعة، من واقع الميدان. يعيش حالة إنكار سياسي شامل، يرفض من خلالها الاعتراف بمتغيرات المشهد الدولي، وبتآكل التأييد لقضية الانفصال، وبتفوق المغرب في كل جبهات الشرعية الدبلوماسية والتنموية.
وإذا كانت الرباط قد اختارت أن تُصدر للعالم صورة بلد يفتح أبواب التعاون والتنمية المشتركة، ويقترح مشاريع مهيكلة لتكامل القارة، فإن الجزائر اختارت أن تكون بؤرة نزاع، تُنتج العزلة والانقسام وتُفرمل أي مبادرة وحدوية. مشروع “المغرب الكبير” يظل عندها العدو الأول، والمطلوب تصفيته بأي ثمن.
الدبلوماسية الجزائرية… عداء مجاني لكل من يتقارب مع المغرب
المقلق أكثر أن النظام الجزائري لم يكتف بمعاداة المغرب، بل أصبح يهاجم كل من يظهر أدنى تعاطف مع الرباط، سواء من دول الساحل أو من الدول العربية والإفريقية وحتى الأوروبية. وبهذا السلوك، تتحول الجزائر شيئًا فشيئًا إلى دولة مارقة، تسبح عكس التيار، وتتخذ العداء استراتيجية دائمة ضد الجميع.
وقد بدأت هذه العدوانية الدبلوماسية متعددة الجبهات تُثير القلق لدى العديد من العواصم العالمية، التي أصبحت ترى في النظام الجزائري عنصر توتر دائم يُهدد استقرار الإقليم.
الجزائر في عزلة ذاتية… وثمن سياسي قادم لا محالة
في النهاية، يبدو أن الجزائر قد اختارت أن تُعاند العالم، وأن تحارب طواحين الرياح في قضية خاسرة، مستخدمة ورقة انفصالية بالية، ومستهلكة رصيدها السياسي في رهانات لا تحصد سوى السخرية والخذلان.
إنها تسير بثبات نحو نادٍ خطير من الدول المنبوذة، التي تؤمن أن بقاءها رهين بالمجابهة لا بالاندماج، وبالتشويش لا بالمبادرة، وبالتحريض لا بالشراكة. وثمن هذا الخيار، ولو تأخر، فهو آتٍ لا محالة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا