المبصاريون يُصعّدون… والقطاع تحت وطأة “بيع الشواهد”

تتجه الأوضاع داخل قطاع البصريات بالمغرب نحو مزيد من التوتر، مع إعلان النقابة المهنية الوطنية للمبصاريين عن تنظيم وقفة احتجاجية مرفوقة بإضراب وطني يوم 23 يونيو 2025، أمام مقر وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى والتشغيل والكفاءات بالرباط.
التحرك النقابي لا يأتي فقط في سياق الدفاع عن مطالب مهنية، بل يعكس احتقاناً عميقاً بسبب تفشي ظاهرة بيع الشواهد المهنية، وتواطؤ الصمت المؤسسي إزاء ممارسات تضرب في العمق أخلاقيات المهنة وسلامة المواطن.
في واحدة من الوقائع المثيرة، شهدت مدينة مكناس محاكمة شخصٍ تورّط في بيع شواهد مهنية دون تكوين فعلي، حيث أُدين ابتدائيًا بالسجن، قبل أن تُلغى العقوبة في مرحلة الاستئناف. الأكثر إثارة للغضب أن المؤسسة التي كانت تُستعمل كواجهة لتلك الشهادات ما تزال تشتغل بشكل عادي حتى بعد النطق بالحكم، دون أن تُغلق أو تخضع لأي قرار إداري، ما زاد من شعور المهنيين بغياب الجدية في محاربة هذا النوع من التلاعب.
ولعل الأخطر أن هذه الممارسات لم تبقَ محصورة في مراكز خاصة، بل امتدت إلى مؤسسات عمومية جامعية، كما هو حال قضية جامعة ابن زهر بأكادير، التي تفجرت فيها فضيحة بيع شواهد جامعية مقابل مبالغ مالية، وهو الملف الذي هز الرأي العام وأدى إلى فتح تحقيقات واسعة مع مسؤولين وأساتذة. هذه الواقعة تؤكد أن ظاهرة “الشهادة مقابل المال” أصبحت آفة مؤسسية، تمسّ مصداقية المنظومة التعليمية برمتها.
في ظل هذه المعطيات، يصبح شعار المبصاريين “لا لبيع الشواهد” أكثر من مجرد مطلب نقابي. إنه صرخة تحذير ضد انهيار معايير التأهيل المهني، وضد تحول صحة المواطن إلى مجال مفتوح للمتطفلين والطامعين في الربح السريع.
غياب الإغلاق الإداري للمؤسسات المدانة، ومرونة القضاء أحيانًا في تجريم هذه الممارسات، كلها عوامل تُشجع على التمادي. فحين يُدان شخص ببيع الشواهد، ويُترك المركز مفتوحًا، أو تُسجَّل فضيحة في جامعة عمومية دون عقاب صارم، فإن الرسالة الموجهة للمهنيين الشرفاء واضحة: لا حماية لكم، ولا قيمة لأخلاقياتكم.
ما لم تتدخل السلطات الحكومية بشكل عاجل، بحزم تشريعي ورقابي، فإن الثقة ستُفقد، والمهنة ستُشوه، والمواطن سيكون هو الضحية الأكبر.