السيادة المغربية في معاهدات السلام: قصة تحرير بحارة “لا لويز” في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله
عندما جنح السفينة الفرنسية “لا لويز” على سواحل رأس بوجدور، لم يكن أمام السلطات الفرنسية سوى اللجوء إلى السلطان سيدي محمد بن عبد الله للتدخل وتحرير أفراد الطاقم. هذا الحادث لم يكن استثناءً، بل جزء من سلسلة من الأحداث التاريخية التي تؤكد السيادة المغربية على الأراضي الجنوبية، بما فيها منطقة واد نون وما جاورها، والتي تم توثيقها في معاهدات عديدة بين المغرب والدول الغربية.
معاهدات السلام والصداقة: التزام مغربي بحماية الناجين
في معاهدات السلام والصداقة التي أبرمها المغرب مع دول مثل إسبانيا عام 1861 وبريطانيا عام 1856، كانت هناك بنود خاصة تتعلق بحماية وإنقاذ البحارة الأجانب الذين يتعرضون للغرق على السواحل المغربية. هذه البنود تعكس اعترافًا ضمنيًا بسيادة المغرب على هذه المناطق، وتؤكد على قوة السلطان وسلطته في جميع أنحاء المملكة.
رأس بوجدور: من “رأس الخوف” إلى رمز للسيادة المغربية
كان الأوروبيون يسمون رأس بوجدور بـ”رأس الخوف”، واعتبروه الحد الجنوبي للعالم الذي لا ينبغي تجاوزه. استمرت هذه الأسطورة حتى عام 1434، حينما نجح المستكشف البرتغالي جيل إينيس في عبور هذا الرأس، ليكشف عن آفاق جديدة للاستكشافات البحرية بحثًا عن الثروات المجهولة.
قضية “لا لويز”: تفاصيل دبلوماسية تعزز السيادة
في ليلة 26 إلى 27 ديسمبر 1775، جنحت السفينة الفرنسية “لا لويز” بالقرب من رأس بوجدور. كان طاقم السفينة المكون من عشرين بحارًا وقبطانهم، قد تمكنوا من الوصول إلى اليابسة، لكنهم وقعوا في الأسر وبيعوا كعبيد. وفي أبريل 1776، علم لويس شينييه، القائم بأعمال فرنسا في المغرب، بالحادث وبالوضع المأساوي للبحارة في منطقة واد نون، فتوجه بطلب رسمي إلى السلطان سيدي محمد بن عبد الله للتدخل.
السلطان يستجيب: تحرير البحارة وإرسالهم إلى فرنسا
استجابة للنداء الفرنسي، أمر السلطان بتحرير البحارة وإيوائهم في الملاح بمراكش. وفي خطوة دبلوماسية، أرسل مبعوثه الطيب بن عبد الحق فنيش إلى محكمة فرنسا، مصطحبًا البحارة المحررين كهدايا دبلوماسية. وصل المبعوث المغربي إلى باريس في يناير 1778، برفقة 16 بحارًا من طاقم “لا لويز” وثلاثة فارين من سبتة، بالإضافة إلى ستة خيول قدمت كهدية للملك لويس السادس عشر.
جدل حول الألقاب الملكية: نقاشات دبلوماسية في باريس
رغم أهمية قضية الأسرى، إلا أن الجدل الأكبر في الأروقة الدبلوماسية الباريسية كان حول صيغة الرسالة الملكية المغربية، التي خاطبت لويس السادس عشر بلقب “زعيم الفرنسيين” بدلاً من “إمبراطور فرنسا”. تم التوصل لاحقًا إلى صيغة توافقية، حيث تم وصف الملك الفرنسي بـ”أعظم المسيحيين، إمبراطور فرنسا”، بينما مُنح السلطان المغربي ألقابًا تشير إلى مكانته كـ”أعظم المسلمين، إمبراطور المغرب والمغرب العربي”.
استمرار قضية الأسرى: حادثة سفينة “إسميرالدا”
لم تكن حادثة “لا لويز” الوحيدة؛ ففي حادثة مماثلة، جنحت السفينة الإسبانية “إسميرالدا” على بعد 180 ميلاً جنوب رأس نون. وبموجب المادة 38 من معاهدة 20 نوفمبر 1861، تقدمت إسبانيا بطلب رسمي إلى السلطان المغربي لتحرير البحارة الإسبان، مؤكدة بذلك على استمرار الاعتراف الدولي بالسيادة المغربية على هذه المناطق.
ختامًا، تجسد هذه الحوادث والمعاهدات عمق السيادة المغربية والتزامها التاريخي بحماية أرواح البحارة الأجانب، مما يعزز مكانة المغرب كدولة ذات سيادة على أراضيها الجنوبية، ومساهمًا فاعلاً في الدبلوماسية الدولية منذ قرون.