أقلام حرة

عفاريت الحافلات (1)

نزلا من طاكسي  صغير على الرصيف الأمامي للمحطة الطرقية  ً بوجلودً . لم يكن عليهما قطع مسافة طويلة مشيا على الأقدام من أجل الوصول إلى باب المحطة. كان الصباح باكرا والجو باردا، لكنها لم تكن تمطر. مشيا تحت صخب أصوات صيحات تقشعر لسماعها الأبدان. إنها لبعض الكورتية المحتلين للمحطة! كانوا يتسابقون ويصيحون عاليا: الرباط، طنجة، مراكش… وما أن رأوهما حتى انقضوا عليهما كالكلاب شاهرين في وجهيهما بعض التذاكر كما يشهر المجرمون سكاكينهم الحادة في وجه ضحاياهم!! لكن أحمد نبه زوجته  كي تصم أذنيها، وتتبعه حيث ذهب دون أن تلوي على شيء. توجه نحو أحد الشبابيك وأدى ثمن تذكرتين إلى مدينة الرباط. كانا ينويان زيارة بعض أقربائهما هناك. لم يكن أحمد متعودا على السفر، ولكنه كان مصرا على الحرص والنباهة قدر المستطاع.

 وبعد أخذ التذكرتين، ارتميا من البوابة الخلفية إلى ساحة تفيض بالحافلات، وبتوجيه من أحد الأشخاص، توجها نحو واحدة مركونة قرب الباب المؤدي للشارع. صعدا الحافلة، وجلسا على المقعدين الأمامين خلف السائق مباشرة، فهاجمت أنفيهما رائحة نتنة كرائحة القيء أو الخمرة المراقة تحت المقاعد. كانت الرؤية غير واضحة بسبب الغبش الذي كان مايزال منتشرا، إذ لم تكن أشعة الشمس قد عوضت أشعة المصابيح الكهربائية بعد. ألقت الزوجة بعينيها على طول الحافلة، فتبين لها بأن المقاعد ماتزال فارغة، ثم قالت لزوجها:

 ـ لا يوجد أحد غيرنا على متن هذه الحافلة، يظهر أننا على عجلة من أمرنا!

وأجابها الزوج جواب رجل حازم:

 ـ الفياق بكري بالذهب مشري!

 ولما نظر أحمد من النافذة، انقشع له خيال قادم من بعيد. بقي الخيال يقترب من الحافلة شيئا فشيئا إلى أن اتضح بأنه آدمي، ويمكن أن يكون من العاملين بالمحطة. دنا الرجل من الحافلة وفتح الباب من جهة السائق، ثم تسلق وجلس على المقعد من غير سلام أو كلام! وضع يده اليسرى على المقود، وبيده اليمنى أدار مفتاحا، فسمع صوت المحرك. دارت عجلات الحافلة ببطء شديد أمتارا قليلةإلى الأمام ثم توقفت. فتح الباب، وقفز الرجل على الأرض، ثم اختفى في الغبش. وكذلك فتح نفس الباب لمرة أخرى، وصعد شخص آخر ثم قاد الحافلة نحو الخارج. بدأت الشكوك تساور أحمد فتساءل : ـ إلى أين سيأخذنا هذا المعتوه؟! أيعقل أن يسافر بنا نحن الاثنين فقط؟ زادت الشكوك في نفس أحمد عندما توجهت الحافلة في الاتجاه المعاكس للطريق الرابطة بين فاس والرباط. تضاربت بداخله العديد من الأسئلة، وبدأ الخوف يدب في جسده، لكنه حاول أن يتظاهر بمظهر الرجل الشجاع لكي لا يثير انتباه زوجته إلى خطورة الموقف. وشيئا فشيئا، بدأت الشكوك والمخاوف تتبدد خصوصا عندما أعاد السائق الحافلة إلى المحطة وركنها في نفس المكان الذي كانت فيه من قبل. فتح الرجل الباب، وقفز على الأرض واختفى كسابقه! … يتبع

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. أسلوب رائع في الحكي يشد القارئ إلى العمل، كما أن الموضوع له راهنيته مما يضفي على القصة رونقا خاصا. واصل أخي نجيب إن عملك هذا يستحق أن يقارع أعمال القاصين المحترفين واصل .
    أسلوب رائع لغة ممتازة أساليببالغية تنم علن تحكم كبير في اللغة العربية. كما أن بناء القصة يعكس الحنكة في بنائها. لك مني ألف تحية ايها الأديب المتميز……………

  2. دائما تتحفنا بأسلوب الحكى المتميز بالتشويق. بارك الله فيك السي نجيب و شكرا.

  3. انه فعلا اسلوب ساحر ومشوق تستحق عليه التشجيع والتنويه اسلوب يستقطب ويستهوي ساكنة المنطقة بالخصوص واصل بارك الله فيك

  4. الأخ نجيب وكما قلت في تعليق لي سابقا مبدع موهوب يعد بالكثير فقط يحتاج إلى قليل من صقل تجربته السردية من خلال الاطلاع على أعمال كبار المنظرين العالميين لهذا الجنس الأدبي.وأعتقد أن ذ ّلك في متناوله لا سيما وأنه حاصل على الإجازة منذ سنوات من كلية الاداب ظهر المهراز بفاس في لغة شكسبير أي في الاداب الإنجليزي. فتحية للفنان نجيب اتريد من ابن الحي فالدار القديمة ومزيدا من العطاء والتألق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا