المغرب

رمضانيات صفروبريس..الدكتورة فائزة جمالي تكتب : "التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا"

playstore

مقدمة

  لعب الأنترنت – لفظة مشتقة من شبكة المعلومات الدولية وهي اختصار للمفهوم الإنجليزي inter national net work – دورا كبيرا في تغيير المجتمع برمته ثقافيا وتربويا واجتماعيا واقتصاديا وحتى سياسيا. ولا شك أن الدرس البيداغوجي والتربوي لم يسلم من الثورة المعلومياتية التي غيرت المناهج التعلمية-التعليمية التقليدية التي كانت تعتبر التعلم الحضوري،الذي يجمع المعلم والمتعلم داخل أربعة جذران ،عنصرا أساسيا .بفضل مجتمع المعرفة،الذي أصبح يعيش ما يسمى برعب الصورة ،وليد الانفجار المعلومياتي،  أضحى التعليم عن بعد ضرورة بيداغوجية لا محيد عنها.

sefroupress


1-   نظرة تاريخية عن التعليم عن بعد

 يعتبر ميشيل فوكو ،الفيلسوف الفرنسي الشهير،  القرن 19 قرن المعجزات والاكتشافات العلمية بوصفه القرن الذي تبلورت فيه مختلف العلوم وتطورت بشكل لافت للنظر.خلال قرن الانفصاليات، كما يسميه علماء الابستمولوجيا،ظهر لأول مرة التعليم عن بعد الذي كان يعتمد على المراسلات عبر البريد لتلبية رغبة فئات واسعة من الطلبة والمتعلمين الذين لم تسعفهم ظروفهم الذاتية والموضوعية لحضور الحصص داخل الفصل. كان  التعليم عن بعد،منذ القرن 19 ، يتم عبر إرسال المقررات إلى الطلبة عبر البريد.وقد تطور هذا النمط من التعليم الذي اعتمدته بعض الجامعات الأوربية منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمن التي كانت تعتمد على نفس الأسلوب ولكنها  كانت  تشترط الحضور الجسدي خلال فترة الامتحانات.والجدير بالذكر أن الكثير من رجال ونساء التعليم والأطر التربوية المغربية  استفادوا من فرصة التعليم عن بعد الذي كانت توفره بعض الجامعات الأوربية بشكل عام والجامعات الفرنسية بشكل خاص، وقد حاز جلهم على دبلوم الدراسات المعمقة والدكتوراه.كما اضطلعت وسائل التواصل السمعي لاسيما الراديو دورا كبيرا في تقريب المعلومة العلمية للمتلقن، ليحل محله فيما بعد التليفزيون من خلال البث المباشر ثم الفيديو الذي يعتمد على تقنية تسجيل المحاضرات والدروس.

 أما التعليم عن بعد بواسطة الويب فقد بدأ سنة 1999 متخذا أشكالا متعددة سواء عبر البريد الإلكتروني أو من خلال دعامات إلكترونية سمعية وبصرية أو الموقع الالكتروني.

2-   التعليم عن بعد في القانون الإطار والرؤية الاستراتيجية 2020-2030

 

رب ضارة نافعة “، رغم ما ترتب عن هذه الجائحة من مشاكل اقتصادية واجتماعية ناهيك عن الأرواح التي حصدتها ،فإن من حسنات هذا الوباء الفتاك هو اقتناع الوزارة أكثر من وقت مضى بضرورة تطوير وتنويع النظام التعليمي المغربي وتجاوز الدرس البيداغوجي التقليدي والتفكير مليا في في التعليم عن بعد.ومما ريب فيه أن هذه الجائحة ستعجل بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بتفعيل وأجرأة مضامين القانون الإطار والرؤية الاستراتجية 2020-2030 ،لاسيما البند الذي ينص على ضرورة “تنمية التعليم عن بعد وتطويره باعتباره مكملا للتعليم الحضوري”وهو ما ينسجم مع القانون الإطار للتربية والتعليم الذي ورد في أحد مواده ” يتعين على الحكومة أن تتخذ جميع التدابير اللازمة والمناسبة لتمكين مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في القطاعين العام والخاص من تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم والبحث”. يبدو أن الوزارة الوصية على قطاع التعليم استبقت ،إلى حد ما ، الكوارث الطبيعية ومنها هذا البواء العالمي واقتنعت بأهمية اعتماد هذا النمط من التعليم الأقل تكلفة ولا يتطلب الحضور الجسدي اليومي داخل الفصول ،حيث ركزت على ضرورة إدراج تكنولوجية المعلوميات والاتصال من خلال تنصيص القانون الإطار في إحدى مواده على ” تعزيز إدماج تكنولوجية المعلوميات والاتصال في النهوض بجودة التعلمات وتحسين مردوديتها” . من الواضح أن الوزارة الوصية صاغت القانون الإطار في تناغم وانسجام مع دستور 2011 الذي نص على ” أن تقوم الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة في الحق على الحصول على تعليم عصري ميسّر الولوج وذي جودة عالية”.  في ضوء هذه المعطيات لم ترتبك الوزارة  أثناء مداهمتها من قبل جائحة كورونا ،إذ اتخذت لتوه إجراء التدريس عن بعد الذي استجاب له التلاميذ والطلبة والأطر التربوية وهيئة التدريس في الجامعات.

3-   جائحة كورونا : صحة المغاربة فوق أي اعتبار

 

  تنفيذا للتعليمات الملكية السامية قام المغرب حكومة وشعبا باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار هذا الوباء الذي فتك بدول عظمى في حجم الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وايطاليا…وفي نفس السياق اتخذ السيد الوزير المسؤول عن القطاع قرار تعليق الدراسة في جميع الأسلاك وفي الجامعات والمعاهد منذ يوم الاثنين 16 مارس2020 تنفيذا لحكمة صاحب الجلالة ،الذي اعتبر صحة المغاربة أولوية الأولويات وفوق أي اعتبار. قرار إغلاق المدارس إجراء وقائي يصب في مصلحة الوطن.وفي مقابل ذلك، دعا  السيد الوزير الأطر التربوية وهيئة التدريس بالجامعة إلى الانخراط المكثف والفعال من أجل ضمان الاستمرارية البيداغوجية عبر استثمار كل الوسائل الرقمية والسمعية والبصرية والدعامات البيداغوجية المتاحة من أجل تمكين المتعلمات والمتعلمين من الاستمرار في التحصيل الدراسي.وقد نوّه الآباء بهكذا قرار الذي جعل من البيوت فصولا دراسية انخرطت فيه الأسرة برمتها، وقد ساعد الحجر الصحي في اكتشاف الآباء والأمهات لأبنائهم ووجدوا أنفسهم في احتكاك يومي معهم والوقوف على مستواهم ومدى تفاعلهم مع معلميهم .

 

4-   التعليم عن بعد : نجاح أو فشل ؟

 بعيدا عن العدمية التي ترى الأمور بنظرة سوداوية وتشاؤمية التي تتلذذ في جلد الذات،ولا تنظر سوى إلى نصف الكأس الفارغة وزرع الإحباط والتشكيك في الجهود الجبارة التي بذلتها الأطر التربوية في مختلف الاسلاك وهيئة التدريس في الجامعة. بعيدا عن كل هذا التدمير الذاتي، سجل الآباء والأمهات  باعتزاز تجاوبا منقطع النظير خلال تتبع تعلم أبنائهم عن بعد،حيث أكد بعض الآباء ،ممن كان أبناؤهم يشعرون بالخجل، أنهم كسروا ذلك الخجل الذي كان يلازمهم داخل الفصل ،وتخلصوا من ذلك الخُلُقِ المذموم وأصبحوا مشاركين في الدرس بعد أن كانوا جامدين لا يحركون ساكنا داخل حجرات الدرس لأسباب سيكولوجية لا يسعنا المجال هنا لشرحها وبسطها.

تبقى الحلقة الأضعف في عملية التعلم عن بعد هم تلاميذ العالم القروي،الذين يشتكون بسبب عدم توافرهم على الألواح الإلكترونية أو الهواتف المحمولة الذكية من أجل تمكينهم من الاستفادة التعلم عن بعد إسوة مع تلاميذ المدن. وبسبب عدم تساوي الفرص بين التلاميذ المغاربة وجهت انتقادات للوزارة الوصية.

بيد أن المتأمل في البنيات التحتية للعالم القروي سيتبين له بجلاء أن المشكلة تتجاوز وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي لأنها ليست المسؤولة عن غياب شبكة الانترنت. هناك تلاميذ  من الطبقات المتوسطة والميسورة في العالم القروي يتوفرون على الألواح  الإلكترونية  (tablettes) لكنهم وجدوا صعوبات في الولوج إلى المنصات التي وضعتها الوزارة و إلى الواتساب لمتابعة دروسهم.مما أثار سخطا لدى الآباء والأمهات وحتى الأساتذة من شركات الاتصالات والانترنت: اتصالات المغرب وأورونج المغرب وإنوي بسبب تدني خدماتها في العالم القروي.ورغم أننا نسكن في المدن ويتوفر أبناؤنا على ألواح إلكترونية متطورة و بيوتنا مزودة ب شبكة الويفي فقد عانينا كما عانى العديد من الآباء ورجال التعليم من ضعف شبكة الانترنت.  

        باختصار شديد، شركات  الاتصالات والأنترنت السالفة الذكر تتحمل المسؤولية فضلا عن الأحزاب السياسية التي طالما رفعت شعار تنمية العالم القروي الذي لا ترى فيه سوى السوق الخلفي الذي توظفه أثناء الانتخابات. وقد أكد أغلب الفاعلين في المجتمع المدني بالعالم القروي أن ممثلي هذه الأحزاب لا يزورونهم سوى أثناء الحملة الانتخابية.

أما رؤوساء الجهات  المنتخبون فقد خوّل لهم القانون التنظيمي الجديد قبض مداخل الجهة وصرف نفقاتها وإعداد برامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوري وتدبير الميزانية…وبما أن رؤوساء الجهة  لهم صلاحيات واسعة،فقد كان حريا بهم شراء الألواح الالكترونية والهواتف الذكية لتلاميذ العالم القروي وكذا تنمية هذه المناطق التي تعاني الهشاشة لاسيما ما يتعلق بشبكة الاتصال والأنترنت.

إن الظرفية العصيبة التي يعيشها المغرب ومعه باقي دول المعمور،جرّاء هذه الجائحة العالمية، تقتضي إجماعا وطنيا وتضامن الجميع من أجل ايصال المغرب إلى برّ الأمان، وليست مناسبة لجلد الذات وتبخيس جهود وزارة التربية الوطنية ورجال ونساء التعليم والأطر التربوية والإدارية.

ملف من إعداد فائزة جمالي، مارست التدريس بالتعليم الثاني التأهيلي سابقا لمدة 20 سنة ( اللغة الفرنسية)

أستاذة باحثة حاليا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله،فاس ( التواصل والسميولوجيا واللسانيات)

مترجمة وناشرة لمؤلفات ومقالات علمية

مشاركة في ندوات وطنية ودولية 

عضوة في لجنة القراءة وتحكيم مقالات علمية منشورة ضمن مؤلفات جماعية

فاعلة جمعوية ومناضلة حقوقية في الحركة النسائية

 

playstore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا