أمينة اوسعيد
تحكي لي أمي قصصا عن طفولتي المتمردة التي عانت فيها من تصروفاتي الطفولية المجنونة.. لكن أكثر شيء يجعلني أضحك على نفسي في قصص أمي. هي قصة خروجي المتكرر من البيت لألعب مع أطفال الجيران ذكورا وإناثا لم نكن نميز فالطفولة والبراءة كانت توحدنا.. ثم تعقب وصلة اللعب الممتعة، رحلة التجول بين أزقة المدينة ونحن أطفالا صغارا أكبرنا يبلغ ثماني سنوات يقود رحلة الاكتشاف بكل ثقة في النفس.. لكن سرعان ما تنقلب ثقته خوفا بعدما نتجاوز بيوتنا ونغوص بين دروب المدينة.. وتنقلب معه ضحكاتنا التي كانت في بداية الرحلة إلى بكاء وعويل.. صراخنا كان يثير المارة ويشد انتباههم نحو تجمعنا كسرب بطاريق يصرخ في آن واحد. فيقترب منا أحدهم ليستفسر عن سبب بكائنا فيعلم أننا تائهون وأقدامنا الصغيرة أوصلتنا إلى نقطة بعيدة عن بيوتنا.. كل مرة كنا نتوه فيها بسبب فضولنا في اكتشاف المدينة كنا نجد من يعيدنا إلى البيت ونحن في أمان تام.. محملين بالحلوى حتى نكف عن الصراخ.. وفي بعض الأحيان التي كنا لا نصادف أحدا يعرف أين نسكن ولا يتعرف على أسماء عائلاتنا كان يقودنا جماعة إلى مخفر الشرطة ننتظر قدوم أمهاتنا بعدما تستنزف طول المسافة ورحلة البحث كل طاقاتهن.. ثم نعود للبيت. تسلخني أمي وأحلف لها أنني لن أكرر الفعلة لكن بعض مرور أسبوع على الأكثر يعاودني الحنين إلى التسكع بين دروب المدينة واكتشاف أبعد نقطة.. صراحة بعض الأماكن لم نكن نتجرأ إلى الوصول إليها.. فقد نسجت أمي أفزع الحكايات حولها فكان الخوف يلتهمني كلما فكرت في الاقتراب منها..لهذا كنت أكتفي بالأحياء المجاورة لبيتنا في حي ستي مسعودة.. كانت طفولتي جميلة. شيقة. مجنونة. وخصوصا آمنة… لم يتجرأ شباب الحي على لمسنا ولا اقتيادنا في غفلة عن أسرنا إلى ظلمات تنتهك فيها حرمة أجسادنا البريئة .. ولم يمسك بنا شيوخ المدينة أثناء رحلة الاكتشاف التي كنا نخوضها ليلطخوا طفولتنا بوحل نزوات عابرة… عشنا طفولة سليمة دون خوف ولا قلق.. كان أكبر همنا أن يصل يوم الإثنين لنحمل حقائبنا ونتوجه للمدرسة وحدنا.. لم ترافقني يوما أمي للمدرسة ولم تأتي لأخذي أثناء عودتي.. كانت تجلس في البيت مطمئنة لأنها متأكدة من عودتي سالمة رغم أن سني كان لا يتجاوز سبع سنوات حينها..
ماذا يحدث اليوم بالله عليكم ماذا يحدث اليوم.. أين غاب الآمان.. أين هم شباب حينا الذين كانوا يحموننا ونحن صغارا.. لأي وجهة رحل ذاك الحب الذي كان يلفنا من كل جانب.. اليوم تتكرر عمليات خطف الأطفال واغتصابهم وقتلهم بدم بارد.. لماذا؟؟؟ الأمر أصبح لا يمكن السكوت عنه أمام تكرار عمليات الاختطاف من طرف شباب بالغين جاهلين مكبوتين تحركهم شهوات شيطانية اتجاه أجساد صغيرة تتحرك ببراءة ويمكن استمالتهم بعلبة شكولاطة أو حلوى..
القانون يعاقب لكنه لا يردع.. فبعض مرور العقوبة السجنية.. ستجد ذاك المتحرش يتبرص بضحايا جدد.. ويصطاد أطفالا آخرين.. فإلى متى سيستمر مسلسل سرقة فلذات أكباذنا والاعتداء عليهم بوحشية مقابل خمس سنوات سجن نافذة كأقصى عقوبة لاغتصاب طفولة بأكملها.