المغرب

المغرب يسجّل أدنى معدل تضخم : 0.4% 2025

في خضم سياق اقتصادي متقلب وتحديات معيشية متراكمة، أعلنت المندوبية السامية للتخطيط، عن تسجيل تراجع لافت في معدل التضخم السنوي، حيث بلغ 0.4% فقط، في مقابل 0.7% خلال أبريل. هذا الرقم الجديد يُعد الأدنى منذ مطلع سنة 2025، ويمثل بارقة أمل في مشهد اقتصادي لم يخلُ، منذ ثلاث سنوات، من الضغوط المتتالية على القدرة الشرائية للمواطنين.

وبحسب تحليل أولي للبيانات، فإن الفضل في هذا التراجع يعود أساسًا إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية، وخاصة الخضر والفواكه، التي شهدت وفرة نسبية في الأسواق الوطنية، بفضل تحسن نسبي في الموسم الفلاحي ببعض المناطق، وتراجع كلفة النقل بفعل استقرار أسعار المحروقات.

ورغم أن هذا الانخفاض يُعتبر تطورًا مرحبًا به، إلا أنه يظل هشًا ومحدود الأثر على حياة المواطن العادي، خاصة وأن مؤشرات أخرى لا تزال تُظهر وجود تفاوتات جغرافية واضحة في الأسعار، ومشاكل بنيوية في سلاسل التوزيع تؤثر على عدالة العرض داخل السوق الوطنية.

في الوقت الذي سارع فيه البعض إلى اعتبار هذا التراجع علامة على بداية انفراج اقتصادي، يرى محللون اقتصاديون أن نسبة 0.4% المسجلة لا تعني بالضرورة تحسنًا مستدامًا، بل قد تكون انعكاسًا لحركية موسمية ومؤقتة للأسعار، مدفوعة بوفرة ظرفية في بعض المواد وتراجع الطلب بعد شهر رمضان.

كما أن تأثير هذا الانخفاض يظل محدودًا على المدى القريب، خاصة في ظل استمرار بعض المواد الأساسية – مثل اللحوم، الزيوت، منتجات الحبوب – في مستويات مرتفعة نسبيًا، وهو ما يجعل من معيش المواطن اليومي رهينة لجيوب مضاربات أو أعطاب هيكلية أعمق.

ويرى خبراء أن استمرار الاتجاه التنازلي في معدل التضخم سيكون رهينًا بعدد من العوامل، أبرزها تطور أسعار المواد الأولية عالميًا، وتداعيات موسم الصيف على الإنتاج الفلاحي، ومدى قدرة الحكومة على ضبط الأسواق، ومواصلة سياساتها في دعم العرض الداخلي وتوجيهه نحو الفئات الأكثر هشاشة.

أما على مستوى السياسة النقدية، فإن هذه الأرقام قد تمنح بنك المغرب هامشًا أوسع في قراراته المقبلة، إما بتثبيت سعر الفائدة الرئيسي، أو التفكير في خفضه لتشجيع الاستثمار وتحريك عجلة الاستهلاك، إذا ما استقرت المؤشرات على المدى المتوسط.

يبقى تراجع معدل التضخم إلى 0.4% خلال 2025 معطى إيجابيًا لا يُمكن إنكاره، لكنه في الوقت ذاته لا يجب أن يحجب الأسئلة الكبرى المتعلقة بجوهر الأزمة المعيشية التي لا تزال ترهق شرائح واسعة من المجتمع المغربي. فالمطلوب اليوم، بحسب المراقبين، هو عدم الاكتفاء بالأرقام المجردة، بل ترجمتها إلى سياسات فعالة، تضمن استقرار السوق، وتحفز الإنتاج الوطني، وتعيد التوازن بين العرض والطلب، بما يخدم العدالة الاقتصادية والاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى