المغرب

إنجازات الحكومة بين خطاب الأرقام وواقع التمكين الطبقي

في معرض حديثه، أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة أن معدل النمو الوطني بلغ 4 في المئة، مُعتبِرًا ذلك دليلاً على انتعاش اقتصادي ملموس، إلى جانب استعراض حزمة من الأوراش مثل إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وتفعيل تدابير جديدة بخصوص مهندسي وزارة العدل، ومواصلة تنزيل برامج المخطط الأخضر. إلا أن هذا الخطاب الرسمي، رغم ما يقدمه من مؤشرات إيجابية، يطرح تساؤلات عميقة حول من يستفيد فعليًا من هذه “الإنجازات”، وما إذا كانت هذه الدينامية الاقتصادية تعكس تحسنًا فعليًا في توزيع الثروة ورفع الحيف عن الفئات الهشة.

فحين نتتبع أثر المشاريع الاستثمارية والمجالية على أرض الواقع، نُصدم بحقيقة مرة: أغلب الأوراش التي يتم إطلاقها تُوجه بشكل مباشر أو غير مباشر نحو فئة ضيقة من المستثمرين الكبار والمقاولات المحظوظة، بينما تظل الطبقات المتوسطة والدنيا على هامش الدينامية التنموية. إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، مثلًا، وإن كان مُعلنًا عنه كوسيلة لتبسيط الإجراءات وتحفيز المقاولات الصغرى، إلا أن المستفيد الأكبر منه هم أصحاب الرساميل الضخمة المرتبطين بعلاقات نافذة، في غياب آليات شفافة للمواكبة والتمويل العادل.

في المقابل، يواصل القانون المغربي الابتعاد عن معركة أساسية ومصيرية: معركة تفكيك شبكات الفساد المستشري في الجماعات المحلية والبلديات، حيث تشير أغلب التقارير والملاحظات الميدانية إلى أن جزءًا مهمًا من المفسدين ينتمون إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود التحالف الحكومي. هذه الحقيقة الصامتة لا تتماشى مع خطاب الإصلاح، ولا مع ادعاء التحديث المؤسساتي، بل تكرّس هيمنة سياسية تتغذى على الريع والولاءات بدل المحاسبة والكفاءة.

الأخطر أن النقاش العمومي يُدفع اليوم بعيدًا عن هذه الأولويات، حيث يتم التركيز على قوانين جانبية تُشغل الرأي العام في قضايا ثانوية، بينما يتم غضّ الطرف عن التشريعات الجوهرية التي كان يجب أن تستهدف تضارب المصالح، الإثراء غير المشروع، وحماية المال العام. إنها سياسة الإلهاء التشريعي التي تهرب من مواجهة المنظومة العميقة للفساد.

إن تحقيق نسبة نمو اقتصادي، مهما بلغت، لا يُعدّ مؤشرا على عدالة اجتماعية أو عدالة مجالية. فالعدالة الحقيقية تبدأ حين يتم توجيه المشاريع نحو من هم في أمس الحاجة إليها، وحين يُحاسب من استغل السلطة للاغتناء غير المشروع، بغض النظر عن انتمائه الحزبي أو موقعه في منظومة القرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى