بعد العمل الارهابي الشنيع الذي استهدف الصحيفة الفرنسة الساخرة “شارلي إيبدو” وخلف مقتل 12 فردا، وإصابة 6 آخرين بجروح، قامت الدنيا ولم تقعد، صرخات غاضبة تنديدية ملأت كل مكان، ورددت في صوب وحذب، تظاهرات استنكارية بمشاركة آلاف الأشخاص من كل الفئات الاجتماعية والأطياف السياسية، بل حتى ممثلي الدول والمنظمات الدولية، العالم أجمع رأى كيف اخترق “نتنياهو” الصفوف حتى يصل إلى مقدمة التظاهرة، متناسيا ما ارتكبه من جرائم في حق الشعب الفلسطيني، متناسيا عدد ضحاياه الذي يقدر بالآلاف من شيوخ ونساء وأطفال وحتى الرضع، الكل شاهد كيف أجتمع السفاحين من كل البقاع، في تظاهرة تنبعث منها رائحة النفاق السياسي والدبلوماسي، وتطاير من أفواههم الصدئة شظايا شعارات كاذبة مخادعة.
أما في العالم الافتراضي فحدث ولا حرج، مئات الحملات فايسبوكية الداعية إلى تضامن مع الشعب الفرنسي والتنديد بالإرهاب، أصبح العالم الأزرق أسودا حدادا على الضحايا، وأينما وليت فأرة حاسبك ستجد نفس العبارة ” أنا شارلي”، أما التعاطي الإعلامي فقد كان فريد من نوعه، جرائد ورقية وإلكترونية وقنوات تلفزية وبرامج إذاعية … الكل يسابق الزمن بعناوين مثيرة حول الحدث، منها من نقل معطيات عديدة ومتناقضة في بعض الأحيان، غير مبالي بالمهنية الصحفية، ولا محترما لمبدأ مصداقية الخبر، والبعض الأخر أتحفنا بتأويلات مختلفة، بعضها منطقي وعقلاني وأغلبها من وحي الخيال وإبداع عقول لا تتردد في التعسف على “نظرية المؤامرة” لتمطرنا بوابل من القراءات الساذجة والتحليلات السخيفة المفتقرة لأبسط الشروط العليمة ..
ولم تمضي إلا ثلاث أيام، حتى استفاق العالم على وقع عملية إرهابية أكثر بشاعة من سابقتها، عملية انتحارية قادتها فتاة قاصر سنها لا يتجاوز 10 سنوات، استغلت وغرر بها لتقدم على تفجير نفسها وسط سوق أسبوعي يوم السبت 10 من يناير 2014، وأسفر الحادث عن أكثر من 20 وفاة والعديد من الجرحى، رغم ذلك لم نسمع حديثا عن هذا في وسائل الإعلام بمختلف تلوينها، جميعها اختارت التغاضي عن الموضوع وتجاهله كأنه لم يحدث شيء، لم نسمع عن التسابق الإعلامي ولم نرى نقلا حيا لما عايشه الشعب النجيري، ولا تحليلات وقرأت حتى وإن كانت سخيفة، لم يتحرك المنتظم الدولي، ولا وزارات الخارجية للبلدان التي تدعي الديمقراطية، لم يتم اطلاق ولو حملة واحدة على الفايسبوك تحمل اسم “أنا نيجيري” أو غيرها، لم يتم الشجب والتنديد ولا الاستنكار لهذا العمل الارهابي، والذي نعرف حق المعرفة أن الواقف وراءه هي جماعة “بوكو حرام” الارهابية .. بل حتى الوقفة التي نظمت اليوم أمام السفارة النيجيرية بالرباط، لم يحضرها إلا بعض المواطين لم يبلغ عددهم الثلاثين فرد، لم نسمع وزراء الخارجية بما فيهم وزير خارجيتنا يصدر موقفا، لا أحد تحرك لا أحد …لماذا كل هذا النفاق؟؟؟؟
أين أنت يا أمريكا ؟؟ أ لست من تدعي حماية للسلم والأمن الدولي؟ ألست من تعتبري محاربة الإرهاب نقط جوهرية ومركزية في سياسيتك الخارجية؟؟ ها هو ذا عمل إرهابي من ارتكاب جماعة إرهابية واضحة وصريحة، لماذا لزمت الصمت؟؟ أين أنتم أيتها الدول المحبة للسلام؟؟؟ لماذا لم تحركوا أجهزتكم الدبلوماسية في اتجاه القارة السمراء ؟؟؟ لماذا لم تجعلوا وزراء خارجيتكم يتحدون ضمن تظاهرة في قلب العاصمة النيجيرية؟؟ أين أنت يا “نتنياهو” … بل أين أنت أيها المنتظم الدولي؟؟ أيتها المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان وعن الأمن والسلام؟؟ أين أنتم أيها المدافعون عن حقوق الطفل؟؟ هل تراكم تعلمون أن منفذ العملية هي طفلة؟؟؟ تتحفوننا بشعاراتكم الرافضة لتشغيل الأطفال .. فما رأيكم في توظيفهم ضمن مخطط إرهابي وتحويلهم لقنابلة موقوتة؟؟ ألا يستحق الأمر أن تتحركوا !!! على الأقل أن تنددوا !! .. أما أن الضحايا النيجيريين لا يستحقون ذلك ؟؟.. آ هم ليسوا إنسان في نظركم الموقر؟؟ أين أنتم يا مناهضي العنصرية؟؟؟ استغليتم حدثا عابرا وثرتم في وجه الجميع وأطلقتم حملة ” أنا مشي عزي ” وملأتم بها العالم الافتراضي أين أنتم الأن؟؟ هل ابتلعت القطة لسانكم أم ماذا؟؟ … “العزي” يموت في نيجيريا، تم اغتياله بخسة ودناءة .. لماذا الصمت؟؟
كل تلك الأسئلة، لا أريد لها أجوبة. فالضحايا مجرد أفارقة سود، ليسوا أناس من خمسة نجوم، لم ينصفهم حتى المآرخين وعلماء التاريخ، حيث تغاضوا عن الجرائم التي ارتكبها المستعمر في حقهم، لم ينصفهم حتى المحللين الاقتصاديين حينما اعتبروا استنزاف ثرواتهم حقا للدول العظمى. فكيف تصفونهم أنتم؟؟ .. كانوا مجرد عبيد لذا المستمعر، واتكبت في حقم مجازر وجرائم حقيقية، فلا بأس استمروا في مواصلة الاجرام في حقهم فهم بكثرة ما عانوه .. لم يعد الألم يعرف طريقا إلى جسدهم ..
محمد صالح: باحث بسلك الدكتوراه تخصص العلوم السياسية
