العالم

هل استفاد تبون من دروس الماضي؟ العفو الرئاسي بين المصالحة والواجهة السياسية

في خطوة أثارت الكثير من الجدل داخل الجزائر وخارجها، أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عفوا رئاسيا عن الكاتب والروائي بوعلام صنصال، الذي كان قد أدين بالسجن على خلفية تصريحات اعتبرت “مسيئة للوحدة الوطنية”. خطوةٌ رحب بها البعض واعتبروها إشارة لانفتاح الدولة على الأصوات الفكرية الحرة، بينما رآها آخرون مجرد محاولة لتلميع صورة النظام أمام المجتمع الدولي.

العفو الرئاسي، في جوهره، يُفترض أن يكون تجسيدا لروح التسامح وإعادة بناء الجسور بين الدولة ومواطنيها، لكن في السياق الجزائري يبدو أن هذا القرار يتجاوز بعده الإنساني إلى حسابات سياسية دقيقة. فالنظام الجزائري لطالما استخدم “ورقة العفو” كأداة لتخفيف الضغوط الخارجية أو لخلق انطباع بإصلاحات شكلية دون المساس بجوهر الممارسات المقيدة للحريات.

بوعلام صنصال، الذي لطالما عبّر عن مواقفه النقدية، تحوّل إلى رمز لحرية التعبير في بلد لا يزال يضيق بالاختلاف الفكري والسياسي. الإفراج عنه اليوم لا يمكن فصله عن الضغوط الدولية المتزايدة على الجزائر، خاصة من فرنسا وألمانيا، حيث تحول ملفه إلى قضية رأي عام، وضعت النظام الجزائري في موقف حرج أمام شركائه الأوروبيين.

لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو: هل يشكل هذا العفو بداية مراجعة حقيقية لعلاقة السلطة بالمثقفين والمعارضين، أم أنه مجرد خطوة ظرفية لتخفيف التوتر السياسي والدبلوماسي؟
الوقائع تشير إلى أن النظام الجزائري ما زال يدير ملف الحريات بعقلية أمنية، وأن أي انفراج سياسي لا يتعدى حدود “المبادرة الرمزية” التي سرعان ما تغلق أبوابها بعد انتهاء مفعولها الإعلامي.

لقد عرفت الجزائر منذ سنوات موجات من الاعتقالات طالت صحفيين، وكتاباً، ونشطاء سياسيين، بتهم فضفاضة تتعلق بـ“الإضرار بأمن الدولة” أو “وحدة التراب الوطني”. ومع كل عفو رئاسي جديد، يتكرر المشهد نفسه: ضغوط، عفو، ثم عودة إلى نفس القوانين والسياسات التي تُنتج المأساة ذاتها.

إن الدروس التي ينبغي أن يستخلصها النظام الجزائري من تجاربه السابقة هي أن الاستقرار الحقيقي لا يُبنى بالقمع ولا بالمكر السياسي، بل بإرساء دولة القانون، وضمان حرية الرأي، والمصالحة مع المجتمع بدل التصادم معه.
العفو عن بوعلام صنصال خطوة إيجابية بلا شك، لكنها تبقى رمزية ما لم تُترجم إلى مسار إصلاحي واضح يضمن عدم تكرار هذه الانتهاكات، ويعيد الثقة بين المثقف والدولة.

في النهاية، يبقى السؤال مفتوحا:
هل استفاد الرئيس تبون من دروس الماضي، وقرر فتح صفحة جديدة مع الفكر الحر، أم أن العفو ليس سوى “استراحة سياسية” مؤقتة في مسلسل طويل من التحكم في الكلمة والرأي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى