أخنوش يُكرّس منطق السلطة المطلقة في تدبير الشأن العام: إعفاء مديرة “أنابيك” نموذجاً

تعيش الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات (أنابيك) منذ أسابيع على وقع ارتباك إداري كبير، بسبب الصراع غير المعلن بين وزير الإدماج الاقتصادي يونس السكوري ورئيس الحكومة عزيز أخنوش، حول مصير المديرة العامة للوكالة، إيمان بلمعطي.
فبعد أن قام السكوري، بشكل مفاجئ، بمحاولة إقالة المديرة من مهامها، مبرراً القرار بتراجع في الأداء وضعف في تنفيذ خارطة الطريق، اختار رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن يجمّد القرار دون أن يعلن موقفاً واضحاً في البداية. هذا التردد لم يكن سوى تمهيد لقرار جاء لاحقاً بمثابة “مباركة متأخرة”، حين وافق أخنوش أخيراً على إعفاء المديرة، في خطوة فُسّرت من قبل المتتبعين على أنها تعبير عن منطق التحكم والانفراد في القرارات.
ما يثير القلق أكثر من الإعفاء نفسه، هو طريقة تدبير هذا الملف الحساس. فقد تم اتخاذ القرار أولاً بشكل شفهي من قبل الوزير، دون أي سند قانوني رسمي، ثم جاء رئيس الحكومة ليحسمه وفق ما يراه مناسباً، بعيداً عن أي نقاش مؤسساتي أو مراقبة برلمانية. وكأن الأمر لا يتعلق بمؤسسة عمومية حيوية تهم آلاف الشباب المغاربة الباحثين عن التشغيل، بل مجرد منصب يُدار بتعليمات فوقية.
هذا السلوك يعيد إلى الواجهة إشكالية غياب الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة. فحين تصبح قرارات الإعفاء والتعيين رهينة لمزاج سياسي أو تصفية حسابات حزبية، دون المرور عبر قنوات رقابية واضحة، نكون أمام نموذج مقلق لتسيير الشأن العمومي، يتنافى مع منطق الدستور وروح الإصلاح الإداري الذي تنادي به الوثائق الرسمية.
وإذا كان السكوري قد حاول أن يُظهر نفسه بمظهر الحازم في وجه مسؤول لم يواكب انتظارات الوزارة، فإن الطريقة المرتبكة التي تم بها هذا “الإعفاء غير المُفعل” منذ البداية، ثم المصادقة المتأخرة عليه من طرف رئيس الحكومة، تضع الجميع أمام مساءلة سياسية وأخلاقية حول جدية وشفافية مناخ التعيين في المناصب العليا.
إن ما حدث في “أنابيك” ليس مجرد حادث إداري عابر، بل مؤشر خطير على أن منطق “افعل ما شئت” لا يزال حاضراً في بعض مفاصل الدولة، وأن أخنوش، بصفته رئيساً للحكومة، ما زال يتصرف في المؤسسات وكأنها تابعة له شخصياً، في غياب لأي رادع مؤسساتي أو رقابة سياسية فعالة.