كلما أشرفت السنة الدراسية على الانتهاء، وبداية مراسيم الدخول المدرسي الجديد إلا وانتصبت هموم جديدة أمام عدد كبير من الأسر الفقيرة بجماعات أدرج وتافجيغت والدار الحمراء. والذين تحلوا بالشجاعة وقاوموا فقرهم وحطموا “أصنام المعتقدات” التي تقصي الفتاة من إتمام دراستها لتصبح مواطنة فاعلة في مجتمعها.
ينتصب هذا الوضع الصعب أمام أسر تلميذات بجماعات أدرج وتافجيغت والدار الحمراء اللواتي أنهين الفترة الإعدادية ويستعدن للالتحاق بأقرب ثانوية تأهيلية لإتمام الدراسة في أفق الحصول على شهادة البكالوريا، وتعد الثانوية التأهيلية إدريس الأكبر برباط الخير هي الأقرب لهن لاسيما وأن القانون يعطيهن هذا الحق، لكن المسؤول قرر إحالتهن على ثانوية تأهيلية أبعد بحوالي 20 كلم، ثانوية محمد الفاسي التأهيلية بمدينة المنزل ليتم دغدغة البراءة، وتعميق معاناة أسرهن، وجعلهم يفكرن في اعتناق الهدر المدرسي والكفر بالتمدرس، وكره المراصد، ليس إلا.
أليس الحس الوطني والحس التربوي يقتضي تسهيل ظروف تمدرس الفتاة القروية وتطبيق تمييز إيجابي لفائدتها حيث تبقى أولوية الالتحاق بأقرب مؤسسة تعليمية هو القرار السليم في حق تلميذات جماعات تافجيغت والدار الحمراء وأدرج بفتح جناح خاص لهن بالثانوية التأهيلية إدريس الأكبر برباط الخير ؟
وفي اتصال مع أحد الآباء رفض الكشف عن هويته، قال لقد عانيت الأمرين عندما أنهت ابنتي دراستها بالمرحلة الإعدادية بأدرج، وقررنا مقاومة الهدر المدرسي لتكون بنتنا ممدرسة ونافعة لوطنها، لكن غياب جناح خاص بالإناث بداخلية الثانوية التأهيلية إدريس الأكبر برباط الخير، على غرار ثانوية محمد الفاسي بالمنزل، كان ضربة قاصمة، فالتجأنا إلى دار الفتاة رباط الخير لكن الصدمة كانت أكبر وأشد مضاضة، عندما وجدنا هذه الدار، كآخر باب، مكتضة وليس بها أي مكان شاغر، يحكي هذا المواطن بحرقة.
وأضاف المتحدث، فقد أصيبت ابنتي بالصدمة عندما علمت أن تلميذات ينحدرن من دواوير أقرب يستفدن من الإقامة بدار الفتاة رباط الخير بينما اللواتي ينحدرن من دواوير أبعد كجماعتي أدرج وتافجيغت والدار الحمراء عليهن كراء بيوت مع الجيران وما يشكل ذلك من اغتصاب لطفولتهن، أو التوجه على مضض إلى مدينة المنزل أو العودة منكسرات إلى بيوتهن للرفع بذلك، من رقم الهدر المدرسي الذي يصل إلى أزيد من 300 ألف سنويا ويشكل حجر عثرة أمام نمو المغرب. وفي الأخير لم تستطع ابنتي متابعة دراستها بثانوية المنزل، نظرا للبعد وحالة الداخلية. متسائلا، هل المسؤولون يحاربون الهدر المدرسي أم يكرسونه، أم يرصدونه على وسائل التواصل الاجتماعي والأيام الدراسية فقط. يختم الأب المكلوم.
وعلى مستوى آخر، قال ولي أمر آخر اختار عدم الكشف عن اسمه، حاولت فهم سر استفادة تلميذات ينحدرن من دواوير أقرب الى رباط الخير من الإقامة بدار الفتاة رباط الخير وإقصاء اللواتي ينحدرن من جماعات أبعد، فعلمت أن الجماعات الترابية اللواتي ينحدرن منها المستفيدات تقدم منح للجمعية التي تسير هذه الدار، مما يطرح سؤالا عريضا، فهل يسمح القانون التنظيمي للجماعات الترابية بأن تقدم جماعة ترابية الدعم المالي لجمعية خارج مجالها الترابي؟ وهل تم احترام مقتضيات مذكرة وزارة الداخلية حول دعم الجمعيات التي تفرض احترام مساطر معينة؟ وما هو ذنب تلميذات ينحدرن من جماعات ترابية قررت مكاتبها عدم أداء منح لجمعية خارج مجالها الترابي؟ أوليس هذا السلوك يضرب في العمق القانون المنظم لمؤسسات الرعاية الاجتماعية 65.15، سيما المادة 6 والتي تقول ” يجب على مؤسسات الرعاية الاجتماعية تقديم خدماتها بدون عوض لفائدة الأشخاص المتكفل بهم”؟
وفي اتصال بأحد المتتبعين بمدينة رباط الخير، فضل عدم ذكر اسمه، قال إن عدم توفر داخلية الثانوية التأهيلية إدريس الأكبر برباط الخير على جناح خاص بالإناث يعد أمرا غريبا وغير مفهوم، خاصة أننا سمعنا وعودا عدة بفتح هذا الجناح؟! وإنه من المحزن أن تُخير الأسر بين خيارات صعبة، الذهاب إلى مدينة المنزل، أو كراء بيت مع الجيران، أو العودة بخفي حنين إلى الدوار، أما دار الفتاة برباط الخير فهي لمن يقدم المنح؟! لقد أصبحت عاجزا، في الحقيقة، عن الفهم؟! لماذا لم يرصد الراصدون هذه المعاناة التي تقود إلى “الهضر” المدرسي، عفوا الهدر؟! يشير المتحدث بلغة ساخرة.
وللاشارة فقد وجه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله رسالة سامية إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين، حول فعالية وتطوير المدارس، يوم 7 يناير 2020 بمراكش، حيث ربط فعـاليـة المـدرسـة بمـدى قـدرتهـا عـلى ضمـان التـربيـة والـرعـايـة، … انطـلاقـا مـن مبـدأ تكـافـؤ الفـرص، والعـدالـة الاجتمـاعيـة والمجـاليـة، وخـاصـة فـي المجـال القـروي والمنـاطـق ذات الخصـاص، ولفـائـدة الفتـاة بـالبـوادي والقـرى والأريـاف. انتهت رسالة صاحب الجلالة.
وكما دعا النموذج التنموي الجديد، تحت الرعاية السامية، إلى ” تحسـين الولـوج للعـرض التعليمـي فـي شـروط تمكـن الفتيـات مـن مواصلـة الدراسـة ( عـن طريـق الداخليـات)، بالخصـوص فـي العالـم القـروي وفـي المـدن الصغـرى،)”
وجاءت المذكرة الوزارية رقم 047×20 بتاريخ 18 شتنبر 2020، بشأن تفعيل احكام القانون الإطار 17-51 المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي إلى “تخويل تمييز إيجابي لفائدة الأطفال في المناطق القروية وشبه الحضرية ومناطق ذات العجز والخصاص”.