في وقت تتوالى فيه الدعوات إلى تجريد المجموعات المسلحة في افريقيا الوسطى من سلاحها، أطلق المسلمون هناك صرخة استغاثة مفادها أنّ “نزع السلاح لا يكفي، وأن الضرورة الملحة في الوقت الراهن تقضي بضرورة تأمين الأحياء والقبض على مسؤولي أنتي بالاكا (ميليشيات مسيحية) وجبر الأضرار المادية الناجمة عن الصراع، وتقاسم السلطة بشكل عادل، في صورة توفر مساعي حقيقية نحو إحلال السلام بافريقيا الوسطى”، بحسب شهادات قام مراسل الاناضول بتجميعها على خلفية حادثتي حرق مسجد واغتصاب مسلمة في بانغي.
يقول “عبد الرحمان دودو سعودي” الناطق بإسم الطائفة المسلمة في بانغي والأسف باد على محياه للأناضول: “نزع سلاح المسلمين والمسيحيين ليس الحل الذي سيجلب السلام لإفريقيا الوسطى”.
وأضاف: “نحن عالقون هنا منذ أشهر، مسلمو الكيلومتر 5 يعيشون في الخوف والألم. لو لم تكن القوات الفرنسية هنا لحمايتنا، لصرنا جميعاً في عداد الأموات”.
وتابع “سعودي قائلا: “إذا كانت السيدة الرئيسة (كاترين سامبا بانزا) تريد نزع سلاحنا بطريقة متزامنة (مع الأنتي بالاكا)، سنقبل بالأمر طبعا لأننا نريد السلام، ولكن أن ينزع سلاحنا كي نكون لقمة سائغة للأنتي بالاكا، هذا أمر لن ندخل في نقاش حوله”.
ويشاطر “شامسو مامادو”، طالب في الجامعة، يمارس مهنة التبريد لتسديد مستحقات دراسته، ما ذهب إليه الناطق بإسم الطائفة المسلمة في بانغي وقال عن الأمر متحدثا للأناضول: “الوضع لم يعد يحتمل، نزع السلاح قد يساعدنا، لكنه غير كاف. ما يتعين القيام به لإحلال السلام هو تأمين اللأحياء، أن يتمكن الناس من التنقل دون خشية. مضت 6 أشهر الآن ونحن محتشدون في الكيلومتر 5، نحن آخر معاقل المقاومة، نريد السلام ولكن طالما لن نشعر بالأمن، سوف ندافع عن أنفسنا ضد الهجمات اليومية”.
ويتفق الرجلان على أن الاعتراف بانتماء المسلمين إلى إفريقيا الوسطى، مثلهم مثل غيرهم من أبناء الديانات الأخرى، تشكل محطة محورية في مسار المصالحة.
يقول “مامادو”: “يعامل المسلمون أحيانا على أنهم أغراب. لا ينظرون إلينا كوننا أبناء هذا البلد، على الرغم من أن وجودنا هنا يمتد على عدة اجيال”.
ويعقب “سعودي” على ذلك قائلا: : “نطالب بأن تعترف المجموعة الدولية بنا كأبناء إفريقيا الوسطى، وأن تكف حكومة بلادنا على إجبارالمسلمين على تسديد مستحقات الخدمات الحكومية دون غيرهم. على غرار ما يحدث في البلدية، وفي المحكمة، يجبروننا على تسديد مقابل على خدمات مجانية، لا يسددها المسيحيون”.
غير ذلك، يؤكد “سعودي” على أن “إيقاف قادة الأنتي بالاكا، بالإضافة إلى جبر الأضرار المادية وتامين الأحياء، هي إجراءات ينبغي أن تسبق أي مسار مفاوضات سلام دائم”.
“أبوبكر يحي، شاب مسلم من بانغي، خبير في مجال الألماس، يعتبر من جانبه أن “إعادة الثقة بين المسيحيين والمسلمين أمر ضروري وياتي في مرتبة الأهمية قبل نزع السلاح . ينبغي ان تحضر الثقة لكي يتوفر الأمن. توعية الناس وتوفير الأمن هي من الأولويات، بعد ذلك، ستجري عملية نزع السلاح من تلقاء نفسها… تأكدوا من شيء، طالما لم تتوفر الثقة، سيحافظ المسلمون والمسيحيون على أسلحتهم”.
على ضوء هذه الشهادات، التي تعبر بشكل أو بآخر عن الجو العام الذي يسبق عملية نزع السلاح، لا يبدو أن إعلان الحكومة يوم 8 يونيو الجاري “يوم وطني لنزع السلاح الطوعي” يرتقي إلى مرتبة الحل الناجع الذي يندرج في إطار مسار سلام شامل في إفريقيا الوسطى. ولعل الأحداث اتي جدت مؤخرا مثلت خير دليل على ذلك.
ففي الخميس الفارط، تعرضت إمرأة اتهمتها الأنتي بالاكا بالجاسوسية إلى اغتصاب جماعي قبل أن يفصضل رأسها عن جسدها، بحسب “سعودي”، وأكد مراسل الأناضول الحادثة نقلا عن شاهد عيان أطلعه على صور، مشيرا إلى أن المرأة قتلت كردة فعل انتقامية على هجوم تعرضت له أبرشية “نوتردام دو فاطيما” في حي الكيلومتر 5 المسلم يوم الإربعاء 28 ماي الماضي، أسفر عن مقتل 11 شخصا.
الهجوم على الأبرشية أدى إلى عدد من الأعمال الانتقامية فقد تعرض يوم الجمعة الماضي مسجد “لاكوانغا” الواقع في الدائرة الثانية لبانغي إلى الحرق، على الرغم من انه كان مغلقا منذ 6 أشهر، أي منذ مغادرة المسلمين للحي، بحسب ما رواه “غراس آ ديو” أحد الشبان المسيحيين، عاين الحادثة للأناضول.
ويروي “غراس آ ديو” الحادثة للأناضول قائلا: “قرر نحو 1000 من مسيحيي لاكوانغا يوم الجمعة (الماضي) في حدود الساعة 3 صباحا (تغ) القيام بمسيرة سلمية باتجاه وسط البلدة مطالبة بنزع سلاح مسلمي الكيلومتر 5. وعند بلوغهم وسط البلدة، علموا بالهجوم الذي تعرضت له الأبرشية، في طريق عودتهم مع حدود الساعة 8 و النصف (تغ)، قرر نحو الـ 20 نفرا منهم مهاجمة المسجد، وقاموا بإلقاء القنابل باتجاهه ما تسبب في احتراقه. بعد وقت قصير من ذلك، وصلت القوات البورندية وقامت بتفريق الحشود عبر إطلاق النار في الهواء”.
“اليوم الوطني لنزع السلاح الطوعي” المقرر في 8 يونيو من الشهر الجاري والذي أعلن عنه الأحد الماضي رئيس حكومة إفريقيا الوسطى، “أندري نزاباييكي”، تنخفض حظوظ نجاحه في ضوء ارتفاع وتيرة اعمال العنف في الآونة الأخيرة.
وإن أجمع مسيحيو ومسلمو بانغي على أمر ما في خضم كل ما يفرقهم، فهو سيكون من دون شك رجوع الأمن… أشواط قبل الإذعان إلى دعوة إلى نزع السلاح.