عدت فرحا لقريتي، كما أسلفت في المقال السابق، عبر طريق فاس والتي أصبحت في وضعية جيدة مما يسهل انسيابية الحركة التجارية والسياحية بين المنطقة برمتها، وتفتح المجال للتنمية لمن يحسن التدبير، بعد ذلك عرجت على مدخل “مدينة” المنزل، لتطالعني سحابة دخان، معتقدا ولطول غيابي أن معملا أقيم بمنطقة المرج لإنقاذ الشباب العاطل، لكن هيهات فقد كانت الصدمة قوية، إنها مجرد محرقة للأزبال تلقي بدخان على مدار الساعة يزكم الأنوف، ويدمع العين، ويدمي القلب؛ محولا حياة سكان الجوار إلى جحيم، مبخسا ممتلكاتهم، وجاعلا الفرشة المائية في كف عفريت، يقول الصحفي الزائر.
ويضيف، ماكدت أبتعد عن الروائح “الزكية” حتى طالعتي على جنبات طريق عين كبير التي كانت بهية، أكوام من مخلفات البناء السامة والأزبال، كعلامة تشوير، ملقاة بطريقة توحي بالإمعان في المس بجمالية المجال، والإصرار على جعله مكبا عشوائيا ضدا على القوانين والأعراف والأخلاق والدين الذي جعل من النظافة شرطا من الإيمان، ياحسرتاه، يتأسف المتحدث.
وحسب علمي فالدراسات تقول، إن التلوث الناتج عن انتشار الأزبال وبقاؤها لفترات طويلة تحت أشعة الشمس، يؤدي إلى ظهور حالات الحساسية والطفح الجلدي، إضافة إلى آثاره الوخيمة على المصابين بالربو وأمراض الجهاز التنفسي، وذلك بسبب استنشاقهم لهواء غير نقي يحتوي على طفيليات وميكروبات تضعف مناعة الإنسان، يوضح الصحفي الزائر.
لكن عندما رمقت عيني عين كبير البهية، صدقني، اغرورقت عيني بالدموع، وتمنيت لو لم أعد لهذه البلدة، منبع مائي علت عليه الأوساخ من كل جانب، وأصبح في وضع مقزز، وقد سبق أن شاهدنا في وسائل التواصل الاجتماعي من يبشر بتأهيله وتحويله إلى منبع على شاكلة منابع الأندلس، محاط بالأشجار الخضراء والطيور تزقزق فرحانة بالنور، والناس يتفسحون ويستنشقون روائح شجر المسك.. لكن المواطن لم ير لا أشجارا وطيورا ولا مسكا، بل منطقة جرداء مسكينة في طريق التصحر، بعد إصرار وترصد، وصور وخطب بليغة سرعان ما تطويها صفحات الفضاء الأزرق، يقول زائر المدينة.
بعد ذلك، قمت بزيارة منطقة الملاح حيث واد العطار الذي كان جميلا وتكسوه خضرة حقول القمح من كل جهة أيام فصل الربيع الجميلة. فالصدمة كانت أشد وقعا من وقع السيف المهند، واد العطار أصبح ممرا ومكبا للواد الحار، بوخرارب أعزكم الله، مفتوحا على الفضاء، يتسرب بانسيابية إلى جذور الأشجار والنباتات على طول المجرى.. والروائح الكريهة المنبعثة منه تنتشر في الفضاء، وتقض مضجع الأحياء.. وجميع أنواع الحشرات تتغذى على هذه الأوساخ النثنة، مهددة بذلك صحة وراحة الساكنة المجاورة، أليس العيش في بيئة سليمة واستنشاق هواء نقي حق من حقوق الإنسان؟؟ أين جمعيات المجتمع المدني؟ أليس القضاء على هذا المشكل الخطير من الأولويات أم اتخاذ المقرات الفخمة المكيفة، يتألم هذا الصحفي الضيف.
ولما كان المنظر مثيرا ويغري بضرورة إتمام التحقيق، استعنت بأحد الأصدقاء القدامى لتتبع مجرى هذا الواد “المعطر”، لمعرفة مآله وما يحدثه من آثار على البيئة وعلى المنظر العام، فكان الأمر مهولا حيث تتجمع المياه الآسنة على شكل برك تستعمرها أنواع الزواحف والحشرات مما قد يتسبب في الأمراض الجلدية وخاصة مرض ليشمانيوز الخطير، وأمراض أخرى، ليمضي الواد المعطر في طريقه عبر دواوير…. في اتجاه واد سبو، فلماذا عجز من لهم اليد العليا على إنشاء محطة لمعالجة هذه المياه؟ يشير المتحدث.
وفي دردشة مع أحد الساكنة، قال أن مخاطر استخدام مياه الصرف الصحي في السقي واردة جدا في بعض الدواوير، وما لذلك من انعكاسات تهدد صحة وسلامة الإنسان والحيوان، بعد أن تبين، علميا، أنها سبب مباشر في تفاقم المشاكل الصحية وانتشار العديد من الأمراض والأوبئة كاالأمراض الجلدية والبكتيرية والفيروسات المنقولة عبر الخضار أو المحاصيل البقولية أو ذات الأوراق التي تلامس التربة مباشرة أو تلامس مياه الصرف الصحي أثناء السقي، مما يستدعي فتح تحقيق من قبل السلطات المعنية، ينبه هذا المواطن المكلوم.