المغرب

فما الهدف العقلاني من كأس بطولات كرة القدم؟

playstore

اهتم الإنسان بالرياضة منذ أقـدم العصور؛ لحاجة المجتمعات القديمة لتدريب أبنائها على المهارات الضرورية المتعلقة بوسائلهم في كسب عيشهم، سواء عن طريق الصيد والقنص أو الزراعة، كما كانت حـاجة الناس إليها للدفاع عن أنفسهم، والمحافظة على بقائهم. وفـي عصرنا هذا ارتفع مستوى الوعي بأهميتها في تنمية اللياقة البدنية، والنمو الجسمي السليم للشباب بما يكسبهم درجة عالية من التحمل، ويزيد من قدراتهم على القيام بما يتطلبه المجتمع مـن أوجـه العمل والنشاط المختلفة، وما يزيد من قدراتهم في تحُّمل مشاق العمل وُمقاومة الإجهاد والتعب وما يترتب على ذلك كله من توافق اجتماعي، وصحة نفسية، وزيادة في الإنتاج.

 هذه بعض أهداف الرياضة، ووظائفها. والسؤال هنا: هل الرياضة في واقعنا الحالي تحقق هذه الأهداف؟ وتقوم بهـذه الوظائف؟ هذا هو السؤال الذي تجب مناقشته، انطلاقـا من متابعتنا لأفعال وتصرفات بعض لاعبي وجماهير كرة القدم؛ يلحظ أنهم قد انحرفوا بتلك الرياضة عن أهدافها وغايتها المنشودة.

sefroupress

وحتى لا نعمم الكـلام، فإن حديثنا سينصرف أساسا إلى رياضة “كرة القدم” هذه الرياضة التي أصبحت “معبودة الشعوب” أو “هبل العصر الحديث”.

  ونحن في هذه المقالة لسنا بصدد تحليل هذه الظاهرة مـن الناحية التاريخية أو تحليل العوامل والأسباب التي أدت إلى استحواذها على قلوب وعقول الجماهير، ولكـن نريد فقط الوقوف على الهدف من كرة القدم، وتسجيل بعض الملاحظات التي استخلصناها من خلال التعامل مع هذه اللعبة / الظاهرة عسانا نراجع أنفسنا ونُعيد النظر في أسس هذا التعامل.

يقـول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله في فيديو على اليوتوب تحت عنوان “حقيقة كرة القدم”: “كـل نشاط اجتماعي يتجه إليه الناس لا بـد أن يكون له هدف، ولن تجد عاقلا يتجه إلى سلوك ما بدون هـدف، فإن لم يكن هنالك هدف فهو العبث. يعني أنت عندما تذهب في الأسبوع  ثلاثة أيام  إلى ناد رياضي لتمارس ألعاب رياضية؛ لك هدف من أجل أن ترعى صحتك، من أجل أن تخفف من وزنك، من أجل أن تنشط كيانك الجسمي، إذا حققت هذا الهدف وصلت إلى السقف وانتهى الأمر. أنا أسأل ما الهدف العقلاني من هذه المباريات التي يهتاج إليها العالم بشكل عجيب؟ الحصيلة: ولا هدف.. الرياضة لها سقف، متى وصلت إلـى غايتك من هذه الرياضة فقد أنجزت المطلوب وجلست مستريحا. مـا الهدف الـذي لم يتحقق بعدُ من هـذه المباريات الرياضية التي شلّت أذهان الناس والتي جعلت الناس كلهم يتركون أشغالهم ودُنياهم وقضاياهم المصيرية في سبيلها؟. كـأس العالم وسيلة لهدف. الطالب المُجد عندما يبَرّز في امتحاناته أُعطيه جائزة، الجائزة: هدف أم وسيلة؟. وسيلة؛ لتشجيعه من أجل أن يُبرز ويُكون نفسه تكوينا علميا، وتكوينا ثقافيا، ويُصبح إنسانا خادما لمجتمعه. أما كأس البطولة: كأس العالم، كأس أمم  إفريقيا، كأس أمم أوروبا، كأس آسيا، كأس كوبا أمريكا، كأس الأندية الوطنية،. كأس البطيخ.. إلى آخره من كؤوس الإلهاء؛ تبقى وسيلة، مجرد وسيلة ما تنتهي من المنافسة على الكأس حتى تعود إلى المنافسة نفسها. ما الهدف؟.                                                                                                  كـرة القـدم لم تعـد مُجرد لعبة يُروح بها، أو رياضة يُتقوى بها؛ بل غدت ضمن “لعبة” كبيرة، وُجدت لتنفيذ ما ورد في كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” لإلهاء الشعوب وإبعادها عن مشكلاتها الحقيقية، وإشغالهم عن القضايا المصيرية: السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ حتى يتفرغ أعداء الإسلام لمخططاتهم للهيمنة علينا وعلى ثرواتنا. وذلك بفعـل الاستغلال السياسي للمسألة، والدعاية الإعلامية الواسعة والمركزة، والإغراءات المالية؛ التي تصرف على هذه اللعبة وأبطالها الكبار “حتى أصبح نجوم كـرة القدم من ألمع نجوم المجتمع، وأكثرهـم شهرة ومالا بل أصبح كثير من فلذة أكبادنا رجال الغد يهتفون بأسمائهم، ويحملون صورهم على صدورهم وظهورهم كعنوان على محبتهم. لقد ظلمهم الإعـلام إذ وضع هؤلاء اللاعبين موضع القُدوة لهم بدل العلماء والـدكاترة والمهندسين والصالحين من الأمة؛ ولنأخذ على سبيل الحصر ونحن نعيش أجواء إقصائيات كأس أمم إفريقيا بمصر”الطفل ريان” المشجع التطواني البريء الذي سافر إلى مصر لحضور كأس أمم أفريقيا، ومن قبلُ سافر إلى روسيا قصد حضور كأس العالم وهـو مازال عند العاشرة ويُقدمه الإعلام كنموذج للأطفال المُحبين لكرة القدم وكقدوة لهم أيضا، في حين أن مكانه الصحيح هـو المدرسة لا الملعب؛ وإتقانه للرياضيات والنحو واللغات بـدل كرة القدم .. حسب المواثيق الـدولية الطفل سنه ينتهي عند الثامنة عشر فكيف به أمام هـذا الزخم الإعلامي الكبير والمتنوع والمؤثر والمسموم أن لا يقتدي به؟ خـاصة أننا نتعامل مع فئة عمرية تفقد الكثير من القدرة على الرفض، وليس كالكبار التي تفكر، وتدرك، وتميز، وتختار، وترفض. فالطفل عنصر غض طري، سهل التشرب لما ينقل إليه؛ صفحته بيضاء قابلة للإشباع بأي شيء يقدم له.. كما أنه فـي جانب التوجيه والإرشاد طيع يسهل توجيه.

وليت الأمر وقف عند الإلهاء بل وصل إلى الولاء والبراء للفرق الرياضية والتي يصحبها تعصب مقيت وعصبية جاهلية وأشكال مـن التشجيع تثير الضغائن والأحقاد بين فرق الدول الإسلامية؛ مثلما حدث بين الأشقاء: الجزائريين والمصريين بسبب مبارياتهما معا فـي تصفية كأس العالم 2010، حتى وقعت القطيعة بين الـدولتين وصارت بينهما حرب إعـلامية وسياسية واقتصادية؛ لم تنته إلا بعد زوال نظام مبارك، كذلك المقابلة التي جرت أخيرا بين الوداد البيضاوي والترجي التونسي برسم نهائي عصبة الأبطال على خلفية فضيحة “الفار” التي كادت أن تأخذ أبعادا سياسية من خلال قناة تونسية “نسمة” وبعض الإعلاميين التابعين لأنصار الترجي في تحويـل هذه المباراة إلى حرب سياسية عبر الانخراط في دعاية مفضوحة لجبهة البوليساريو في محاولة استفزاز مشاعر كل مغربي؛ دليل واقعي قطعي على ما نقول، ومن ملامح ضياع عقيدة الولاء والبراء بسبب تشجيع كرة القدم ؛ الانحياز السعودي إلى الملف الثلاثي المشترك الذي قدمته       (أمريكا، والمكسيك، وكندا) لاستضافة كأس العالم 2026 على حساب الملف المغرب يملف أخوة الدين هذا على مستوى الدول، وعلى المستوى المحلي الداخلي، انتشرت أيضا بين أبناء الوطن الواحد بسبب هذه اللعبة البغيضة مشاعر الحقد والكـراهية والعداء، وأقرب مثال على هذا ما وقع من أحداث دامية التي أعقبت مجموعة من المباريات الاحترافية، من ذلك مثلا: مباراة الجيش الملكي وضيفه نهضة بركان برسم النزال المؤجل عن الجولة 22 من منافسات الدوري الاحترافي، ومباراة الكوكب المراكشي وأولمبيك أسفي بتاريخ 17 أبريل 2019، والأدلة في هذا الباب كثيرة، حيث أسفرت هذه المباريات وغيرها عـن  خسائر مادية جسيمة،

هـذا فضلا عن انقسام الجمهور المغربي بين برصاوي وريالي ورجاوي وودادي… حتى صار أهـل البيت الواحد ينقسمون على أنفسهم؛ هذا يتبع فريقا، وذاك يتبع فريقا آخر، وغدت كرة القدم مسرحا تؤسس فيها العداوات، وتشتت فيها الجماعات، وتنعدم فيها عرى القربات، ويغضب فيها المشاهد حمية وعصبية…بل ويـرفع القريب السكين على أخيه مثل ما وقع أخيرا في مدينة الدار البيضاء حيث قُطِع يد أحد عشاق جمهور الرجاء من قِبل جاره الودادي حسب ما أوردته مجموعة من المصادر الإعلامية . 

والعجيب العجاب من كل ما ذكرنا، تعلق بعض جماهيرنا ببعض اللاعبين _ لا يدينون بدين الإسلام رغم مواقفهم العدائية من بعض قضايانا كموقف اللاعب ميسي من القضية الفلسطينية وذلك بداية بالصورة التي التقطت له أمام حائط البراق، وهو يؤدي الطقوس التي يُمارسها اليهود في هذا المكان وانتهاء بتبرعه لإسرائيل بتقديم منحة تقدر بمليون دولار لمساعدة إسرائيل فـي حربها على غزة وما خفي أعظم.

أضف إلى مـا سبق، الميزانيات الضخمة التي تصرف على مشاريع رياضية؛ مـن ملاعب فاخرة واستقطاب لاعبين وتخصيص ميزانيات لأنـدية كرة القدم بمختلف أقسامها، والأ نكى مـن ذلك أن يتم تكليف مدرب أجنبي _فعلا، أجنبي عـن عقيدة المسلمين براتب شهري خيالي؛ فحسب معلومات توصلت بها جريدة المساء المغربية بتاريخ 10/ 07/ 2019  فمدرب منتخبنا أصبح أجـره الشهري 120 مليون سنتيم، أمـا بـوميل المساعد الأول له فيحصل على راتب شهري يبلغ 55 مليون سنتيم،  أما راتب المساعد الثاني، مصطفى حجي فيصل راتبه الشهـري إلى 30 مليون سنتيم شهريا، دون احتساب المنح والتعويضات والتذاكر والسكن، هذا فضلا عن الطاقم الإداري للمنتخب: المعدين البدنيين، المعدين النفسيين في التغذية..، _ فـي حين الثانوية التي أدرس فيها، عدد تلامذتها يزيد على 1800 تلميذ وتلميذة لا تملك سيارة _ وتقتطع هـذه المخصصات المالية مـن موارد الدولة على حساب القطاعات الحيوية والخدمية التي يحتاج إليها مجتمعنا كالتموين والتعليم والصحة، وغيرها من القطاعات والمرافق العامة والخدمية. مما يجعلها عاجزة عـن تلبية حاجات أفراد المجتمع، وهو ما نشاهده في ضعف أداء هذه المرافق، ممثلة في: المدارس والجامعات والمراكز البحثية والمستشفيات…مما يجعلنا نتساءل ونصرخ بأعلى صوتنا:

  _ أين نحن من فقه الأولويات؟ 

_ وهل أصبحت تربية الأبدان/ الأقدام أهم مـن تربية النفوس والقلوب؟ فما قيمة البدن / القدم الصحيح إذا لم يقده عقل سليم؟.      

وإلـى أن يعرف عشاق كرة القدم الهدف العقلي منها، ويتمكن المسؤولون من مراجعة موقفهم من هذه اللعبة، وإلى أن تستيقظ الشعوب الغافلة من غفلتها، وإلى أن يتحمل المثقفون المناضلون مسؤوليتهم الحقيقية فـي تحديد موقفهم مـن هذا “الصنم المعبود” فلا يمكننا أن نرى في”لعبة كرة القدم” إلا ملهاة، ومأساة، وأفيونا للأمة تغيب به عن الوعي، وُتبعد به عن رسالتها لتظل في سبات عميق وأوهـام مرضية … أفيونا لا يخضع لا لمراقبة ولا لحظر ولا للمنع، بل حظي بكل أنواع الدعم والتقدير؛ لأنه يساعد القـادة والحكام في امتصاص وعي وغضب الجماهير .

 بقلم :د. حسن الشارف

playstore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا