المغرب

رسائل ما قبل الاقتراع: بين صرامة التوجيه الملكي وهشاشة المشهد الحزبي

على بعد سنة تقريبا من موعد الانتخابات التشريعية، جاءت الفقرة الملكية الموجهة إلى وزير الداخلية محملة باشارات دقيقة ورسائل متعددة المستويات، يتقاطع فيها البعد الدستوري مع السياسي، ويطفو فيها سؤال الثقة في المنظومة الحزبية على سطح الخطاب المؤسساتي.

الملك دعا، بشكل لا يقبل التأويل، إلى احترام الموعد الانتخابي في توقيته العادي، في رسالة مزدوجة: اولا إلى من يفكر في تأجيل محتمل تحت ذرائع ظرفية او حسابات سياسية، وثانيا إلى من لا يزال يتعامل مع الآجال الدستورية بعقلية الاستثناء لا القاعدة. فالتأكيد على “الاستحقاق في وقته” لا يقرأ فقط كتثبيت لقاعدة التداول الديمقراطي، بل كتذكير بان الشرعية في المغرب تمنح عبر الصناديق، لا عبر التأويلات الظرفية للمصلحة الوطنية.لكن الاهم في هذه الفقرة ليس التذكير بالموعد، بل التوجيه المباشر إلى وزير الداخلية من اجل ضمان “الاعداد الجيد”، مع دعوة صريحة إلى فتح مشاورات مع الفاعلين السياسيين.

وهذه النقطة بالذات تفتح جدلا عميقا حول موقع الفاعل الحزبي في رسم معالم المرحلة.هل نحن فعلا امام مشاورات تشاركية ام مجرد آلية اخبارية تحفظ الحد الادنى من الشكل الديمقراطي؟ التجارب السابقة، في تعديل القوانين الانتخابية، اظهرت ان الفاعل الحزبي غالبا ما يكون طرفا ضعيفا في تفاوض غير متكافئ، حيث تملي الدولة سقوفا وتترك الاحزاب تتفاوض داخلها.ثم ان الحديث عن “الاعداد الجيد” يفترض ضمنيا ان هناك ما ينبغي اصلاحه او تجاوزه، ما يضعنا امام اعتراف ضمني بنواقص التجارب السابقة، من ضعف في التأطير، إلى اختلالات في تمويل الحملات، إلى عزوف شعبي يهدد شرعية التمثيلية.لكن في المقابل، يبقى الخطاب الملكي حازما في ضبط الإطار العام: موعد محدد، إطار قانوني جاهز قبل نهاية السنة، مشاورات سياسية، وإشراف مباشر من السلطة التنفيذية.

هذه عناصر ترسي ما يمكن تسميته بـ “هندسة ما قبل الاقتراع”، حيث تضع المؤسسة الملكية حدود اللعبة قبل ان تبدأ.غير ان هذا الحرص الملكي على الانتظام والشفافية قد يصطدم بواقع حزبي هش، منهك بالتطاحنات الداخلية، ومفتقد لثقة الشارع، ما يطرح تساؤلا مركزيا: هل يكفي حسن الاعداد لضمان انتخابات ذات مصداقية في ظل مشهد حزبي غير مقنع ومجتمع سياسي مفكك؟ان التحدي اليوم لا يكمن فقط في احترام الآجال، بل في اعادة بناء الثقة في جدوى الانتخابات نفسها، واقناع المواطن بان صوته يصنع الفرق، وان المؤسسات المنتخبة قادرة على الفعل، لا مجرد امتداد اداري للمركز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى