
ما من شيء أكثر استفزازًا للقارئ المُدرك من أن يتصدى كاتب ما لموضوع حساس مثل العلاقات المغربية الجزائرية، مدّعيًا “الحياد والموضوعية”، بينما نصه يعج بالانحياز الناعم، والمواقف المغلفة بخطاب التحليل المزعوم. هذا بالضبط ما وقع فيه علي المرابط، حين كتب مقاله عن “التوتر المتجدد بين المغرب والجزائر”، منشورًا كما لو كان قراءة عقلانية متزنة، بينما هو في الواقع إعادة إنتاج ناعمة ومضللة لخطاب الجنرالات في قصر المرادية.
المرابط، الذي يقدم نفسه كصحفي معارض للنظام المغربي، ينجح مجددًا في التنكر لأبسط مبادئ الاستقلالية، حين يغفل تمامًا الإشارة إلى سياقات حاسمة في الملف، مثل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، أو الانعطافة الإسبانية، أو موجة افتتاح القنصليات الدولية في الأقاليم الجنوبية. هذه ليست تفاصيل ثانوية يسهل تجاوزها، بل عناصر مفصلية تُحدد معالم التحولات الجيوسياسية لصالح المغرب. تجاهلها لا يُعد حيادًا، بل خيانة لواجب الصحفي في عرض الصورة كاملة. ومن يكتب نصف الحقيقة لا ينتمي إلى فئة المهنيين، بل إلى فئة الموجهين بخلفية سياسية.
المرابط، في مقاله، يتحدث عن صراع إقليمي بتراكماته، ويغرق في التاريخ المشترك، لكنه يفعل ذلك على طريقة من يُساوي بين الضحية والجلاد. فحين يصف الأزمة الحالية بأنها نتاج “أطماع توسعية” مغربية، دون أن يورد ولو إشارة واحدة لدور الجزائر المفضوح في تسليح وتمويل وتوجيه جبهة انفصالية، يكون قد اختار الاصطفاف الكامل إلى جانب الطرف المعادي، وموّه ذلك بلغة التحليل الأكاديمي. وهذا ما يُعرف في حقل الإعلام بـ”التحيّز المتخفي”، حين تتحول أدوات الصحافة إلى غطاء أيديولوجي رخو لمواقف مُعلّبة.
والأخطر من ذلك، أن الكاتب لا يكتفي بالانحياز، بل يُمارس تمييعًا للواقع، عبر تقديم العلاقات المغربية الجزائرية كما لو أنها خلاف حدودي عابر، في حين يعلم الجميع أن الأمر يتجاوز ذلك نحو مشروع جزائري عدائي واضح تجاه وحدة المغرب الترابية. إن هذا الطمس المُتعمد لجذور الصراع، وتحويله إلى مجرد أزمة سياسية كلاسيكية، ليس إلا خدمة مباشرة للأجندة الجزائرية، حتى وإن تم تغليفه بلغة ناعمة.
فمن السهل أن يُقنع المرابط القارئ الغافل بأنه يكتب بضمير مستقل، لكن من يقرأ ما بين السطور يُدرك سريعًا أن مقاله ليس إلا امتدادًا صامتًا للآلة الإعلامية الجزائرية، ولكن بأسلوب أقل صخبًا وأكثر تمويهًا. والتمويه هنا أخطر من التصريح، لأنه يُضلّل لا بمحتوى مباشر، بل بطبقة زائفة من الحياد.
إن من يسوّق لنفسه كصوت حر ومعارض، ثم يمارس انتقائية صارخة في سرد الوقائع، ويغض الطرف عن معطيات حاسمة، ويفسح لمقولات خصم الوطن أن تمر بسلاسة في ثنايا تحليله، لا يستحق أن يُدرج ضمن خانة الصحافة، بل يُصنَّف، ببساطة، ضمن خانة التوجيه المغرض.
مقال علي المرابط، رغم لغته المحكمة، لا يضيف شيئًا جديدًا سوى أنه يقدم خطابًا جزائريًا بمصطلحات مغربية، ويُمارس نقدًا انتقائيًا يُفرغ “التحليل” من مضمونه، ويستبدل الحقيقة بتوازن مصطنع. والنتيجة: نص يدّعي العمق، بينما يخفي سطحية موقفه خلف مفردات مزخرفة.