الرياضهالعالمالمغرب

حين تتكلم المدرجات: الدبلوماسية التي عجزت عنها السياسة تنجح فيها الشعوب


ما يجري في نهائيات كأس إفريقيا بالمغرب يتجاوز بكثير حدود المستطيل الأخضر. فخلف الأهداف والهتافات والأعلام، تتشكل رسالة إنسانية صامتة لكنها بالغة الوضوح: الشعوب أقوى من قرارات القطيعة، وأصدق من الخطابات الرسمية المتشنجة. في المدرجات، وعلى أرصفة المدن المغربية، تَكشّف مشهد مغاير تمامًا لما تروّجه لغة التوتر والعداء.
الجماهير الجزائرية التي حضرت إلى المغرب لم تحمل معها منطق الخصومة، بل جاءت محمّلة بالفرح والدهشة، وبإحساس تلقائي بالانتماء. لم تكن في حاجة إلى بيانات سياسية لتدرك أن ما يجمعها بالمغاربة أعمق من أي خلاف عابر، وأن الروابط الإنسانية والثقافية لا تلغيها الحدود ولا تُمحى بالبلاغات.
الاستقبال، التنظيم، البنيات التحتية، والأجواء العامة، كلها عناصر صنعت حالة من التقدير الصادق، بعيدًا عن المجاملة أو الحسابات الدبلوماسية. كان كل شيء طبيعيًا، عفويًا، بلا تصنّع ولا استعراض. وهذا بالضبط ما منح الحدث قوته: صدقه الإنساني.
في المقابل، بدا التناقض صارخًا بين واقع الشعوب وخطاب السياسة. فبينما تستمر بعض الأنظمة في منطق الإغلاق والتوجس، كانت الجماهير تفعل العكس تمامًا: تتبادل الابتسامات، الصور، الأغاني، وحتى القصص اليومية البسيطة. وكأن الرسالة غير المعلنة تقول إن العداء ليس قدرًا، وإن ما يُزرع في الخطابات لا يجد له دائمًا صدى في وجدان الناس.
المغرب، في هذا السياق، لم يكتف بتنظيم بطولة قارية ناجحة، بل قدّم نموذجًا متقدمًا في ما يمكن تسميته بـ”الدبلوماسية الشعبية”: تنظيم محكم، انفتاح إنساني، واحترام للآخر دون انتظار مقابل. نموذج لا يُفرض بالقوة، بل يُقنع بالتجربة.
لقد أثبتت هذه الأيام أن الحدود قد تُغلق بقرار إداري، لكن القلوب لا تُغلق، وأن الشعوب حين تلتقي وجهًا لوجه، تسقط كل الجدران المصطنعة. وما عجزت عنه سنوات من التوتر السياسي، أنجزته مباراة، وابتسامة، وهتاف مشترك في مدرج واحد.
في النهاية، قد تختلف السياسات، وقد تتغير التحالفات، لكن الحقيقة التي لا يمكن حجبها هي أن الشعوب، حين تُمنح فرصة اللقاء، تختار دائمًا الحياة المشتركة بدل القطيعة، والإنسان بدل الشعارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى