المغرب

فضيحة السكن الوظيفي.. حين يتحول الحق الإداري إلى ريع مقنن

يبدو أن وزارة التربية الوطنية وجدت نفسها مجددا في قلب زوبعة من الأسئلة والاتهامات بعد أن كشفت مصادر من داخلها عن استمرار احتلال أزيد من مئة سكن إداري من طرف مسؤولين وأطر متقاعدين، رفضوا مغادرة مساكنهم رغم انتهاء مهامهم وانقطاع أي علاقة مهنية تربطهم بالوزارة.

هذه الواقعة ليست مجرد خرق إداري عابر، بل مرآة تعكس جانباً من ثقافة الريع المتجذرة داخل بعض دواليب الإدارة المغربية، حيث يتحول السكن الوظيفي من وسيلة لخدمة المرفق العام إلى امتياز شخصي يُورّث كما لو كان ملكاً خاصاً. ورغم صدور مذكرات تنظيمية واضحة، أبرزها المذكرة رقم 40 التي تحدد شروط الاستفادة من السكن الوظيفي، فإن التطبيق على الأرض يظل انتقائياً، خاضعاً لموازين النفوذ والعلاقات أكثر من خضوعه لمبدأ الاستحقاق.

اللافت أن عدداً من هؤلاء “القاطنين الدائمين” كانوا يشغلون مناصب مسؤولية جهوية أو إقليمية، واستمروا في الإقامة داخل المساكن التي خصصت لهم أثناء أداء مهامهم، فيما تُمنع أطر حالية من الاستفادة منها رغم حاجتها إليها، أو تُمنح في حالات أخرى لأشخاص لا علاقة لهم بالوزارة. إنها صورة مصغّرة لاختلال أعمق في تدبير الملك العمومي، حيث تغيب المراقبة وتتراخى أجهزة المحاسبة، فيتحول الحق الإداري إلى شكل من أشكال الريع.

نواب لجنة التعليم في البرلمان طالبوا الوزير محمد برادة بتوضيحات عاجلة، وبنشر لوائح المستفيدين بشكل غير قانوني، واتخاذ قرارات حازمة لإفراغ تلك المساكن فوراً. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل تكفي قرارات الإفراغ وحدها لمعالجة ظاهرة بهذا العمق؟ أم أن المطلوب هو إعادة هيكلة كاملة لآلية تدبير السكنيات، وربطها بنظام رقمي شفاف يضع حداً للتلاعب والزبونية؟

القضية اليوم تتجاوز مجرد نزاع إداري حول مفاتيح سكن، إنها تمس صورة الدولة ومصداقية مؤسساتها في تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة. فكيف يمكن لقطاع يرفع شعار “مدرسة الجودة والإنصاف” أن يزرع هذه القيم في الناشئة، بينما بعض مسؤوليه السابقين يصرّون على احتلال ملك عمومي لا حق لهم فيه؟

إن استمرار هذا الوضع لا يعني فقط ضياع موارد الدولة، بل يكرس أيضاً شعوراً باللاعدالة داخل أسرة التعليم، في وقت تعاني فيه فئات واسعة من الأطر التربوية من غياب الاستقرار السكني. إنها مفارقة صارخة بين خطاب الإصلاح والواقع، وبين دولة المؤسسات وثقافة الامتيازات.

ويبقى السؤال مفتوحاً: هل ستجرؤ الوزارة على كسر هذا الجدار الصامت وتعيد الأمور إلى نصابها؟ أم أن “السكن الوظيفي” سيظل عنواناً آخر لفساد صغير بحجم بيت، لكنه كبير في رمزيته ومفعوله؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى