المغرب

تسليط الضوء على التافه ليس ترفًا.. إنه واجب للحفاظ على التماسك الاجتماعي

في زمن تهيمن فيه وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا اليومية، وتصبح الحدود بين الخاص والعام ضبابية، يعتقد بعض المثقفين أن الانشغال بما يعتبرونه “تافهًا” نوع من الانحطاط الفكري، أو مجرد إضاعة للوقت، وأنه من الأفضل تجاهل هذه الظواهر بدل مناقشتها. لكن هذه النظرة السطحية تهمل حقيقة خطيرة: ما يُنظر إليه على أنه “تافه” قد يكون في الواقع مؤشراً على أمراض اجتماعية عميقة تهدد البنية الأسرية والقيم المجتمعية.

الصحافة التي تتطرق إلى هذه المواضيع، سواء كانت تصرفات غير مسؤولة على المنصات الرقمية أو ممارسات تهدد القيم الأخلاقية، ليست مجرد نقل للفضائح أو اهتمام بالتفاهات. بل هي أداة للكشف عن الخطر الداهم الذي يتهدد الأسر، وتعرية للممارسات التي ساهمت في تفكيكها، وللثقافة الاستهلاكية والفوضوية التي تمارس تأثيرًا على سلوكيات الأفراد داخل البيوت.

حين نتحدث عن “تافه”، نحن نتحدث عن مظاهر اللامبالاة، والانحرافات الصغيرة التي قد تتراكم لتصبح كوارث كبيرة على المستوى الاجتماعي. تجاهل هذه الظواهر لا يجعلها تختفي، بل يمنحها فرصة لتنتشر وتترسخ، مؤذية بذلك القيم الأساسية للتماسك الاجتماعي والأخلاقي.

المثقف الحقيقي ليس من يرفع نفسه فوق هذه المواضيع، ويعتبر نفسه متعاليًا عنها، بل هو من يملك الجرأة على رؤية ما يهدد المجتمع من الداخل، وتحليل هذه الظواهر، والبحث عن حلول عملية لمواجهتها. المثقف الواعي يدرك أن النقاش حول هذه الأمور، مهما بدت صغيرة أو تافهة، هو جزء من واجبه الاجتماعي والفكري، وأن دوره يتجاوز النقد الأدبي والفني إلى النقد الاجتماعي البنّاء.

إن دق ناقوس الخطر لا يعني إثارة الهلع، بل هو تحذير مسؤول يهدف إلى تحفيز المجتمع على التفكير وإعادة النظر في سلوكياته وممارساته اليومية، وفي الطريقة التي يتعامل بها مع قيمه وأسرته ومحيطه. وكل فرد من موقعه، سواء كان صحفيًا، معلمًا، ناشطًا، أو حتى مستخدمًا عاديًا لوسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يساهم في التصدي لهذا الخطر عبر التوعية والنقد والاقتراحات البناءة.

في النهاية، ما يعتبره البعض “تافهًا” قد يكون في الواقع مؤشرًا على أزمة أخلاقية واجتماعية تحتاج إلى التفاعل معها بوعي، لا تجاهلها. تسليط الضوء ليس ترفًا، بل هو استثمار في حماية المجتمع والأسر من الانحلال، والحفاظ على ما تبقى من تماسك اجتماعي، وتعزيز القيم التي تجعل من المجتمع بيتًا متماسكًا وسليمًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى