كتبته : صفاء أحمد آغا
بعد الوصول لمنتصف الشهر الفضيل بدأت جل المسلسلات الدرامية التي تدخل ضمن السباق الرمضاني السنوي تتضح معالمها بشكل جلي للحديث عنها لاسيما ذات الثلاثين حلقة .
من أبرز هذه المسلسلات الدرامية العربية ، الدراما السورية و المعروفة على مدار عقود بنصوصها الرفيعة المستوى والتي تحترم عقل المتلقي ، لأن أهم ما يميزها هو أن القصة والسيناريو أو مايصطلح عليه النص الدرامي هو البطل الحقيقي للعمل بالإضافة لإدارة إخرجية إحترافية ، حيث أن أبطال أي عمل بالدراما السورية كلهم يقدسون هذ ا الفكر و المحتوى من العمل الفني ، لذا الدراما السورية بشكل خاص لها بصمة فريدة على مستوى الدراما بالوطن العربي .
لتعود لنا هذا الموسم الرمضاني بأعمال سورية مئة بالمئة هذه المرة .
من أبرز هذه الأعمال مسلسل
” تحت سابع أرض ” للكاتب ( عمرو أبو سعده ) و إدارة المخرج( سامر البرقاوي) الذي تصدر قائمة الترند فور عرض حلقاته الأولى مثيرا جدلا واسعا على كل منصات التواصل الإجتماعي ، ولم يأتي ذلك من فراغ فالأداء المتقن لأبطال العمل مع حفظ الألقاب لم يكن وليد الصدفة لاسيما شخصية الضابط ” موسى الناجي ” التي يؤذيها بإحترافية الممثل ( تيم حسن ) حيث خلق شخصية المقدم موسى التي أعطاها روح ضابط التحقيق الجنائي بعمق درامي شديد ينقل فيها للمشاهد سلكوية الصوت التي يتنقل فيه بين التوثرات الداخلية والخارجية بطريقة ممزوجة بلفحات الكوميديا السوداء ويزيدها تعيقدا وتميزا داخل السياق الدرامي ، الشيء الذي يرسخ مكانته كأبرز نجوم الدراما السورية بالوطن العربي ، بالإضافة إلى هذه الثنائية والكمياء الفنية العالية التي تجمعه مع المايسترو( سامر البرقاوي ) في عدة أعمال سابقة وصولا ” لتحت سابع أرض ” الذي أبهر الجمهور بجمالية الإخراج الرائع والتصوير المذهل .
” تحت سابع أرض ” هو مسلسل إستطاع مؤلفه ( عمرو أبو سعده ) أن يعطي للمتلقي جرعة كاملة الدسم من خلال سيناريو مكتوب بحرفية عالية المستوى و قصة مشوقة إلى أبعد الحدود من خلال تسليط الضوء على بيت و محيط
( موسى الناجي) الضابط الذي كان يخدم بمنطقة بعيدة والمعروف بنزاهته ووفائه لقيادته و وطنه ، يساعد في مصاريف عائلته المكونة من إخوته ( زين) و ( دانا ) و أمه و الذين يمتلكون مطبعة عتيقة عن أبيهم المرحوم .” موسى الناجي ” هو شخصية العمل الأساسية التي تتفرع منها الخيوط العنكبوتية للقصة التي تدور بحارة شعبية بمدينة دمشق السورية وهي تجربة درامية مشوقة تحكي عن علاقة المال والسلطة بدايتها فور عودة الظابط للخدمة بأحد أفرع مدينته بعد إصابته بشظية إثر الأحداث التي تعرفها بلده ، لتفاجأ بتغييرات كثيرة وقعت خلال بعده عن عائلته حيث تبدلت فرحة رجوعه وقربه من عائلته إلى غصة وصدمته بتورط إخوته ( زين ) و ( دانا ) مع تاجر تزويز العملات ( العجان ) جارهم القديم الذي يتستر تحت مظلة كونه صاحب محل صرافة لرفع الشبهات عنه وبما أن البلد تمر بظروف إقتصادية وسياسية صعبة دخل على الخط مباشرة ليستغل ظروف أخوة الظابط بغرض الإستفاذه منهم وتصفيته لحسابات قديمة .
ليجد موسى نفسه مضطرا لحماية إخوته داخل دائرة لا تشبه قناعاته التي ظل دائما وفيا لها بشهادة جميع زملائه الذين إختار أغلبهم طرقا أسرع للوصول للمناصب العليا في محيطه العملي ، وحتى البيئي .
هنا تبدأ الأمور تخرج عن سيطرة الضابط النزيه و تمتزج فيها الصراعات الإجتماعية والنفسية في أجواء من الغموض والصراع التقليدي مع الذات بين الخير والشر والظروف المحيطة بكل شخصيات العمل التي تجعل النفس تتأرحح بين ذاك وذاك .
” تحت سابع أرض” أبطاله منتقاة بعناية شديدة مع حفظ الألقاب سواء السيدة منى واصف( الخانوم ) وهي أحد أهم تجار بيع العملات المزورة – السيدة سامية الجزائري ( أم العجان ) الحاقدة على الماضي الأليم والسبب الرئيسي في جعل ( العجان ) على ما هو فيه كاريس بشار ( بلقيس ) إبنة الحارة وصاحبة محل الباليه التي تعمل عنصر أساسي في تسهيل تزوير العملات المزيفة والتي تنشأ بينها وبين الضابط شرارة عاطفية متأرجحة في ظل الضغوط التي تعرفها العلاقة – تيسير إدريس ( العجان ) تاجر العملات المزورة وسمسار العصابات الكبيرة للعملات المهربة – أنس طيارة ( زين ) اخ الضابط واليد الذهبية في تزوير العملات – مجد فضة ( مهيب ) صديق طفولة الضابط الذي لم ينجح في إكمال دراسته وزوج أخته المرفوض و أحد عناصر ( العجان ) ….. حيث تميزت كل هذه الشخصيات بأداء دورها ببراعة شديدة كل من موقعه لتعطي توليفة متقنة للخروج بالعمل من ” تحت سابع أرض ” إلى ” فوق سابع سماء ” بشهادة أغلب الكتاب الصحافيين والنقاد الذين أشادوا بالبنية الدرامية وبتعقيداتها التي تغني القصة من كل حيتياتها الدرامية حيث تتنوع بصراعات قوية بين شخصيات طيبة و مكافحة وأخرى تحمل نوايا سيئة و أخرى إنظلمت دون قصد وأخرى كبش فداء لتحمي غيرها ، هذا التنوع يضيف عمقا للأحداث ويجعل المشاهد يتفاعل مع تطورات القصة لأنها تلمس أهم الطابوهات المسكوت عنها في أغلب وطننا العربي وهي ربط المال بالسلطة من خلال إستغلال النفوذ و المال العام .
