العالمالمغرب

الملك محمد السادس.. قائد برؤية استراتيجية يوازن بين الحزم الدبلوماسي والتصعيد في معالجة القضايا الخارجية

يشكل تدبير الملك محمد السادس للسياسة الخارجية المغربية نموذجا فريدا في الحكمة وبعد النظر، حيث اختار نهجا دبلوماسيا قائما على التوازن والواقعية، يجمع بين الدفاع الصارم عن السيادة والمصالح الوطنية، وبين الحرص على الحفاظ على العلاقات الدولية وتفادي منطق التصعيد المفاجئ أو المواجهة غير المحسوبة. وقد برزت هذه الرؤية الملكية في مختلف المحطات المفصلية التي عرفتها علاقات المغرب مع عدد من القوى الإقليمية والدولية.

منذ بداية عهده، حرص الملك على إرساء توجه دبلوماسي جديد، قوامه الاستباقية، وتعدد الشركاء، والانفتاح المدروس على مختلف الأقطاب، دون الارتهان لأي محور. كما وضع مبدأ السيادة الوطنية فوق كل اعتبار، وجعله خطا أحمر لا يقبل المساومة، سواء تعلق الأمر بالقضية الوطنية أو بمصالح المغرب العليا، غير أنه في المقابل، تجنب دائما الانجرار وراء ردود الفعل الانفعالية أو التصعيدية.

مع ذلك، لم يتردد الملك في اتخاذ مواقف صارمة كلما تعلق الأمر بمس السيادة أو الاستخفاف بالمصالح الوطنية. ويتجلى ذلك بوضوح في الأزمة مع إسبانيا سنة 2021، عندما استقبلت مدريد زعيم ميليشيا البوليساريو بشكل سري وبهوية مزورة. جاء الرد المغربي قويا ومدروسا، بدءا باستدعاء السفير، وصولا إلى رسائل سياسية شديدة اللهجة، توجها الملك بخطاب حاسم في ذكرى ثورة الملك والشعب، أكد فيه أن قضية الصحراء هي النظارة التي يرى بها المغرب العالم، وأنها تمثل جوهر السياسة الخارجية المغربية.

الموقف نفسه تكرر مع فرنسا، التي تراجعت علاقاتها مع الرباط بسبب غموض مواقفها من الوحدة الترابية، وتوترات مرتبطة بالتعاون الأمني والقضائي. هنا أيضا، تصرف الملك بحزم وهدوء، حيث لم يستقبل الرئيس الفرنسي رغم زيارته للمنطقة، في موقف غير مسبوق بعث برسالة واضحة مفادها أن زمن المجاملات قد ولى، وأن الشراكة لا تستقيم دون وضوح واحترام متبادل.

ورغم هذا الحزم، لم يغلق المغرب أبواب التفاهم، بل ظل منفتحا على الحوار متى توفرت شروطه. فالأزمات مع برلين ومدريد، مثلا، انتهت بعودة العلاقات بشكل متوازن، بعد مراجعة المواقف السابقة، وهو ما يعكس قدرة الملك على التحكم في وتيرة الرد، والتمييز بين التوتر العابر والمساس الجوهري بالثوابت.

على المستوى الإفريقي، انتهج الملك سياسة اليد الممدودة والتعاون جنوب جنوب، مما مكن المغرب من استعادة مقعده في الاتحاد الإفريقي، وتوسيع نفوذه الاقتصادي والديني والثقافي داخل القارة، دون أي تصادم أو صراع محاور.

كما ظل المغرب تحت القيادة الملكية متشبثا بدعمه الثابت للقضية الفلسطينية، ورفضه الواضح لأي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني، في وقت حافظ فيه على مقاربات دبلوماسية متوازنة مع مختلف الفاعلين الدوليين، بما يضمن مصالحه الاستراتيجية دون تناقض في المبادئ.

إن معالجة الملك محمد السادس للقضايا الخارجية تقوم على معادلة دقيقة: صرامة في الدفاع عن الثوابت، مقابل مرونة عقلانية في التفاوض والتواصل، بما يجعل المغرب دولة تحظى بالاحترام، وتحسن توظيف أدوات القوة الهادئة، وتتفادى منطق العزلة أو العداء المفتوح.

بهذا النهج، استطاع الملك أن يجعل من المغرب فاعلا إقليميا متزنا، يوازن بين المبادئ والمصالح، ويقدم نموذجا في القيادة الهادئة والفعالة، القائمة على الرؤية الاستراتيجية، لا على ردود الفعل، ويؤكد أن السيادة لا تعني القطيعة، وأن الدبلوماسية لا تعني الضعف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى