الكتاب الأبيض لحزب “المازوط” والشركات … عندما تبيض القضايا وتنسى النساء

يبدو أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش مولع فعلا بالألوان، ليس من باب الفن ولا من باب الرمزية، بل من باب التسويق السياسي. بعد المخطط الأخضر، والمغرب الأزرق، …ها هو اليوم يقترح علينا لونا جديدا: الكتاب الأبيض، الذي دعا نساء حزبه إلى إصداره ليكون “قاعدة” للترافع على قضايا المرأة.
لكن السؤال البسيط، الذي لم يخطر على بال مهندسي الألوان: أي امرأة؟ وأي قضايا؟
البياض في السياسة غالبا لا يعني النقاء، بل الفراغ. والكتاب الأبيض، كما أقترح ان يكون، يبدو أبيض فعلا… لأنه لم يحدد أي القضايا سيحملها، ولا أي النساء سيمثل. وهذا البياض ليس بريئا، بل هو طريقة أنيقة لطمس التناقضات، وتبييض واقع شديد السواد تعيشه ملايين النساء المغربيات.
هل سيترافع هذا الكتاب عن قضايا المرأة البرجوازية؟ الحرية الفردية كما تسوق في الصالونات، المناصب السياسية والتمثيلية، شعارات “صايتي حريتي”، نقاشات المساواة في الإرث والتعدد، والحديث المتكرر عن العلاقات الرضائية، بل وحتى تحويل “تحرر المرأة” إلى واجهة إشهارية تستعمل لتسويق الشركات الكبرى والمنتجات العابرة للقارات؟
أم سيتجرأ – ولو مرة – على الاقتراب من قضايا المرأة الحقيقية؟ المرأة المستغلة في المعامل والضيعات، العاملات في مصانع “الكابلاج” بأجور هزيلة وأجساد منهكة، نساء شركات النظافة اللواتي لا ينظر إليهن إلا كجزء من الأرضية، العاملات في المقاهي بلا عقود ولا كرامة، الأرامل، المتشردات، المتسولات، ونساء القرى والجبال اللواتي يعشن خارج الرادار الإعلامي والسياسي…؟
هذه الفئات، الغالبية الساحقة من نساء المغرب، لا تجد لنفسها مكانا في خطابات الجمعيات النسائية الرسمية، وكأنها لا تنتمي إلى جنس النساء، أو كأن معاناتها لا تصلح للعرض في الندوات المكيفة.
نساء حزب الأحرار، كما يظهر من الخطاب، يبدون أقرب إلى نساء نوادي أوروبا في القرن الثامن عشر: نقاشات أنيقة، مصطلحات مستوردة، وصراع رمزي مع “الرجل” كفكرة مجردة، بينما يتم تجاهل البنية الاقتصادية التي تسحق المرأة والرجل معا.
هم يسبحون في واد، والمرأة المغربية الحقيقية تغرق في واد آخر.
فالمرأة في الجبال لا تسأل عن المفاهيم، والمرأة في الضيعات لا تقرأ البيانات، والمرأة في المعامل لا تنتظر “كتابا أبيض”، بل تنتظر أجرا عادلا، حماية اجتماعية، كرامة، وحقا في الحياة.
المفارقة أن أغلب هذه الخطابات النسوية الحزبية تحاول حصر معاناة المرأة في سبب واحد: الرجل. وكأن الفقر ليس منظومة، والاستغلال ليس سياسة، والريع ليس خيارا اقتصاديا، وكأن نفس السياسات التي تفقر الرجال لا تضاعف فقر النساء.
الكتاب الأبيض، إذا لم يسمّ الأشياء بأسمائها، إذا لم يخرج من صالونات المدن إلى هوامش الوطن، إذا لم ينزل من الأبراج الزجاجية إلى المصانع والضيعات، فسيبقى مجرد لون جديد في لوحة سياسية باهتة.
أما المرأة المغربية، فلا تحتاج كتابا أبيض، بل تحتاج سياسة لا تبيض الفشل، والإستغلال،والثراء غير المشروع ولا تلون المعاناة، ولا تختزلها في شعارات قابلة للتسويق.





