المغرب

الصحافة تحتج على منعها من تغطية غزة: حين تُقصف الحقيقة مرتين

في زمن تُنقل فيه الحروب عبر البث المباشر وتُصنّف الصور حسب تفاعل الجمهور، قررت السلطة الإسرائيلية أن تمنع دخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة، ليبقى العالم يتابع المجازر من خلف، زجاجٍ داكن، ويعلو الدخان بينما الحقيقة مخنوقة تحت الركام.

تتواصل الاحتجاجات في الأوساط الإعلامية الدولية تنديدًا بالقيود المفروضة على تغطية الأحداث الجارية في غزة. فمنذ اندلاع العدوان، منعت إسرائيل دخول الصحفيين الأجانب إلى القطاع، في خطوة اعتبرتها منظمات دولية “تعميمًا للظلام الإعلامي”، وسط استمرار قصف الأحياء المدنية وانقطاع الاتصالات والإنترنت بشكل متكرر.

وقد أصدرت أكثر من 130 وسيلة إعلامية ومنظمة دولية، من بينها رويترز، وأسوشيتد برس، وفرانس برس، والـ BBC، وشبكة الجزيرة، بيانات مشتركة تطالب فيها بالسماح الفوري وغير المشروط بدخول الصحفيين إلى غزة. من جهتها، نددت “مراسلون بلا حدود” بهذا الحصار الإعلامي، محذّرة من أن التعتيم يخدم التستر على جرائم حرب محتملة، ويمنع الرأي العام العالمي من الوصول إلى معلومات موثوقة ومستقلة.

وفي السياق ذاته، كشفت لجنة حماية الصحفيين أن أكثر من 190 صحفيًا فلسطينيًا استُشهدوا منذ بداية الحرب، معظمهم في استهدافات مباشرة لمنازلهم أو أثناء عملهم الميداني، ما دفع جهات حقوقية إلى المطالبة بإجراء تحقيقات دولية مستقلة بشأن هذه الاستهدافات التي تبدو ممنهجة.

لكن المفارقة المؤلمة أن بعض وسائل الإعلام لا تبدو متضررة من هذا التعتيم، بل ربما ترتاح له أو تستفيد منه. فهناك مؤسسات غربية معروفة دأبت على تبني الرواية الإسرائيلية أو تبريرها بلغة مغلفة، تصف القصف بأنه “رد”، والضحايا بأنهم “نتائج جانبية”. أسوأ من ذلك، أن بعض الصحف تتعامل مع القصف وكأنه مادة دعائية، تهتم بعدد المشاهدات أكثر من عدد الشهداء.

ورغم الإجماع المهني على ضرورة رفع الحظر، إلا أن سياسة منع الصحافة من دخول غزة تتحول، في بعض الحالات، إلى خدمة مجانية لوسائل إعلام اختارت الاصطفاف بدل الاستقلال، والتبرير بدل التحقيق. إنها لحظة تاريخية خطيرة يُقصف فيها المدنيون، ويُقصف معهم حق الناس في المعرفة، فيما تكتفي بعض المؤسسات بـ”التعليق من بعيد”، أو الاكتفاء بنقل بيانات الجيش دون تمحيص.

حرية الصحافة، في هذا المشهد الدموي، ليست مجرد حق مهني، بل جبهة مقاومة في حد ذاتها. والمنع لا يستهدف الكاميرا فقط، بل يستهدف ما تبقّى من ضمير عالمي. وبينما يُقصف الناس في غزة، تُقصف الحقيقة معهم، ويُدفن الشهود قبل أن يرووا الحكاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى