الشناقة.. سرطان الاقتصاد المغربي

في كل مرة تحاول الدولة أن تدعم المواطن البسيط، يظهر “الشناقة” كما يظهر الجراد في الحقول، يلتهمون كل شيء قبل أن تصل المساعدة إلى مستحقيها. أطلقت الحكومة دعماً قدره عشرة ملايين سنتيم لمساعدة الأسر والشباب على امتلاك سكن، لكن الوسطاء والمضاربين لم يفوّتوا الفرصة، فرفعوا الأسعار بلا رادع. وهكذا تحولت الشقة التي كانت تُباع بثلاثين مليوناً إلى أربعين، وضاع الهدف الاجتماعي للدعم بين أنياب الجشع.
المشهد نفسه يتكرر في المجال الفلاحي. فعندما قررت الدولة تقديم دعم للفلاحين لمواجهة ارتفاع أسعار الأعلاف، تسابق “الشناقة” لرفع الأسعار أكثر، فأصبحت النخالة مثلاً تُباع بـ130 درهماً بعد أن كانت لا تتجاوز 70. والنتيجة: استفاد التاجر الوسيط، بينما بقي الفلاح الصغير يعاني بين الجفاف وغلاء المعيشة.
المشكل الحقيقي في المغرب ليس في قلة الإمكانيات، بل في غياب المراقبة والردع للمضاربين الذين حولوا السوق إلى ساحة فوضى يتحكم فيها منطق الطمع لا منطق العدالة. هؤلاء “الشناقة” يتغلغلون في كل القطاعات: من السكن إلى الفلاحة، ومن النقل إلى التجارة. لا قانون يردعهم، ولا رقابة تقي المواطن من استغلالهم.
إن الدعم لا يفيد ما دام يمر عبر قنوات معطوبة. الحل ليس في تقديم دعم جديد كل مرة، بل في إصلاح منظومة السوق وربط المساعدة بالمستفيد الحقيقي مباشرة، دون وسطاء. فهؤلاء الوسطاء صاروا أشبه بسرطان اقتصادي يأكل لحم الطبقة الوسطى والفقيرة، ويحوّل أي مبادرة اجتماعية إلى فشل جديد.
إن المغرب لا يحتاج إلى مزيد من الإعانات، بل إلى دولة قوية توقف نزيف المضاربة وتقطع الطريق على كل من يتخذ من معاناة الناس تجارة.




