فاس

الزليج البلدي بفاس.. حرفة-فن مزيج من الطين والعرق

playstore

على مر القرون، استطاع الزليج، المشكل من قطع فسيفسائية زخرفية مرغوب فيها بسائر أرجاء العالم بأشكالها الهندسية المتناغمة وألوانها التي لا تعد ولا تحصى، أحد أرقى رموز الصناعة التقليدية المغربية.

pellencmaroc

ففي بنجليق شرق مدينة فاس، لجأ عشرات الحرفيين إلى جبل زلاغ الشامخ، بعيدا عن الأنظار، لممارسة مهنة أجدادهم؛ فوحدها أعمدة دخان متصاعدة توحي بوجود مجمع الكعدة الصناعي، الذي يقع على مرمى حجر من مقلع للطين مخصص حصرا لصناعة الزليج البلدي؛ إذ يعد الطين المادة الخام الأساسية المستعملة في صناعة الزليج، استخدمتها الحضارة الإنسانية منذ الأزل.

وفي هذا الصدد، أوضح عبد اللطيف حسوف، المعلم ورئيس مقاولة “مور زليج”، أن طين هذه المنطقة فريد من نوعه ولا يوجد في أي مكان آخر، فهو يضم من بين مكوناته سبعين مادة معدنية، وهو ما يمنح الزليج الفاسي تألقه”.

وبخبرة تزيد عن 37 عاما، يشرف السيد حسوف، الذي تشرب المهنة على يد كبار حرفيي الزليج في مدينة فاس القديمة، لا سيما في سيدي بوجيدة وعين ن قبي، على مقاولة للصناعة الزليج، موجه، على الخصوص، نحو التصدير.

وخلال زيارة لورشته في بنجليق،كشف هذا المعلم، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، بعضا من أسرار إبداع الزليج المغربي، منذ تسلم الطين الخام، مرورا بوضعه بعناية في أحواض ماء لغليه مدة 24 ساعة ليأخذ شكل خميرة، لتتم تغطيته بغطاء بلاستيكي وتركه طوال الليل، ليتم وضعه على طبقة من الرماد على الأرض في قوالب مستطيلة الشكل بطول عشرة سنتيمترات، ما يجعله يأخذ شكله الأولي، لتنطلق بذلك مرحلة التجفيف التي تستمر يوما واحدا خلال فصل الصيف، بينما تمتد إلى ثلاثة أيام في فصل الشتاء.

وفي نظر السيد حسوف تحاكي طريقة صنع الزليج إلى حد كبير إعداد الخبز، حيث يتعين خلط الطين بالماء وتركه ليتخمر في الشمس ثم وضعه في الفرن”، مضيفا أنه بمجرد تجفيفها، يتم تجميع مربعات الطين المتماسك بعناية فائقة في أزواج بأيدي حرفي خبير لتجنب أي كسر.

وباستخدام مربعات للقياس ومطرقة حادة، يتم تشكيل القطع بدقة، لتأخذ الحجم المطلوب أي “البجماط”، وهو زليج مطلوب بكثرة للفضاءات الخارجية وتغطية الجدران. ويمكن للحرفي ذي الخبرة أن يقطع ما يصل إلى ألف قطعة من “البجماط” يوميا.

يلي ذلك، وضع القطع تحت أشعة الشمس لمدة 24 ساعة، ودخول الفرن لأول مرة، قبل مرحلة الصباغة. وباستخدام مزيج من الرمل والمنتجات الطبيعية، يتفنن الحرفيون في تحضير اللون المطلوب لتغليف قطع البجماط.

يتعين على الحرفي، يقول المعلم حيسوف، أن “يتقن الفوارق الدقيقة والخلطات الخاصة لكل لون. وعلى الرغم من أن السائل يظهر باللون الأخضر أو الأصفر في الأصل، إلا أن اللون النهائي يظل سرا لا يمكن أن تكشفه إلا حرارة الفرن”.

وفي الواقع، يتم ترك البجماط في الفرن لأكثر من ثلاث ساعات مرة واحدة فقط حتى يحصل على لونه النهائي. ويعتمد ذلك على المواد التي تتكون منها الصباغة، ومدة عملية الحرق، وموقع البجماط داخل الفرن. إثر ذلك، يصبح البجماط جاهزا أخيرا للقطع والتجميع في الوضع النهائي. وهنا مرة أخرى، تظهر خبرة المعلم اللافتة.

وأبرز حيسوف أن “هناك المئات والمئات من الأنماط الهندسية، كل معلم يحفظها عن ظهر قلب ويمكنه مطابقتها من ذاكرته”،

وبالنسبة للزليج البلدي المخصص للتصدير، تتراوح الأسعار بين 200 درهم/م2 و7000 درهم/م2 لأكثر الألوان والنقوش تعقيدا. وتحظى بعض الأشكال بشعبية كبيرة في تغليف الأماكن الداخلية، والبعض الآخر في بلاط الحمامات، أو حتى في تزيين النافورات على التقاليد المغربية الأصيلة.

وبحسب حيسوف، تتسع شعبية الزليج البلدي في أوروبا وأمريكا الشمالية. وبالنسبة لهذا المعلم، فإن “صناعة الزليج، التي تمتد لقرون، تشكل جزءا لا يتجزأ من التراث الثقافي المغربي، وخبرة يتوجب الحفاظ عليها بأي ثمن وترسيخها في نفوس الأجيال الشابة”. كلمة معلم !
*(فاروق العلمي)

playstore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا