الدولة رحمت المواطن، لكنه أبى إلا ان يذبح نفسه بسكين الغلاء

في مشهد عبثي جديد يعكس عمق التناقضات التي تحكم الواقع المغربي، قررت الدولة المغربية هذه السنة إلغاء شعيرة ذبح الأضحية ، مبررة ذلك بندرة الماشية وارتفاع أسعارها، وكذا بضعف القدرة الشرائية لدى المواطن. هذا القرار جاء حرصًا على التخفيف من الأعباء المعيشية، لكنه قوبل بالرفض انطلاقا من ممارسات المواطنين.
غير أن المفارقة التي تثير الدهشة ،بل وتدعو إلى الضحك المر ، هي الهجمة غير المسبوقة للمواطنين على اقتناء اللحوم الحمراء ومشتقاتها من كرش ودوارة وكبد، حتى بلغ سعر بعضها أرقامًا خيالية تجاوزت 700 درهم ، وكأننا لسنا في أزمة بل في مهرجان للترف الغذائي. فكيف يمكن لشعب يشتكي في الصباح من غلاء الأسعار وقلة ذات اليد، أن يتسابق مساءً على شراء “الدوارة” بهذا السعر الفاحش؟ كيف يمكن لمواطن يقول “لم نعد نستطيع شراء الحليب” أن يدفع ربع راتبه الشهري لوجبة لحمية قد لا تتعدى الثلاثين دقيقة في تناولها؟
إننا أمام مشهد يعكس ازدواجًا في الوعي الجمعي: وعيٌ يشتكي، ولا وعيٌ يستهلك بجنون. فالمواطن المغربي يعيش تناقضًا عجيبًا بين ما يعلنه وما يمارسه، بين الشكوى من الغلاء والتهافت على اقتناء الغالي، وكأن المعاناة تحولت إلى أسلوب حياة، أو بالأحرى إلى طقس من طقوس الوطنية الصامتة.
ولا غرابة في هذا السياق، إذا ما قارنا سلوك المواطن المغربي بنظيره في بعض الدول الغربية، حيث يكفي أن ترتفع أسعار البيض بنسبة ضئيلة حتى تنطلق حملات المقاطعة وتنخفض المبيعات بشكل ملموس، بينما هنا في المغرب، تتحول المقاطعة إلى نكتة على مواقع التواصل، ويستمر الإقبال على المنتوج وكأن شيئًا لم يكن، بل وكأن رفع الأسعار هو شكل من أشكال “البرستيج” الاجتماعي.
الحكومة من جهتها، لا تُلام وحدها في هذا العبث، لكنها أيضًا تتحمل نصيبًا وافرًا من المسؤولية. فهي تتحدث عن الأزمة وتقر بوجود الغلاء، لكنها لا تقدم أي حلول حقيقية للحد من جشع الأسواق، ولا تضع حدًا للمضاربين، ولا تعلن عن إجراءات لمراقبة الأسعار أو تشجيع القدرة الشرائية للمواطن. بل تُطل علينا بخطابها المعتاد الذي يفيض بالوعود والتبريرات، وكأنها هي الأخرى مجرد مواطن غاضب يراقب الوضع من بعيد.
الإشكال الحقيقي لا يكمن فقط في المواطن ولا فقط في الحكومة، بل في فقدان العلاقة التعاقدية بين الطرفين. فالمواطن لا يثق في الحكومة، ولذلك لا يُعوّل على أي سياسة اجتماعية، بل يتحرك بدافع الخوف والغريزة الاستهلاكية العشوائية. والحكومة لا تثق في وعي المواطن، فتميل إلى مخاطبته بخطاب فوقي، وتراهن دائمًا على قدرته على التكيّف مع الأزمات بدل إخراجه منها.
إن ما نعيشه اليوم ليس فقط أزمة معيشية، بل أزمة وعي جماعي، أزمة ثقافة استهلاكية بلا أفق، وأزمة سياسية تتمثل في غياب الشفافية والمساءلة، وفي اعتبار المواطن مجرد رقم في معادلة اقتصادية لا صوت له فيها إلا حين يُطلب منه التصويت.
وفي خضم هذه التناقضات، يتحول العيد من مناسبة دينية وروحية إلى مشهد سوداوي تتقاطع فيه مشاعر العجز والغضب والتهكم، حيث المواطن يأكل وهو يشكو، ويشتري وهو يلعن الغلاء، ويضحك وهو يئن. وهكذا نواصل السير في هذا المسلسل الطويل بعنوان: “كل شيء غالٍ… لكنني لا أستطيع مقاومة بولفاف
هذا الانفصام الذي يعيشه المواطن المغربي يساهم بشكل كبير في تفشي الفساد في جل القطاعات ، من تعليم واقتصاد ومؤسسات..، فهل يعقل أن نشتكي من احتلال المراتب الأخيرة في التعليم والشعب يشتري الشواهد، كيف نتحدث عن سوء المؤسسات ونحن نعطي الرشوة من أجل الحصول على شهادة السكنى، كيف نشكو من حكومة اخنوش ونحن نتسابق على احشاء الأكباش بأثمنة مهولة ، إن المواطن سواء بوعي أو بدون وعي يساهم في الرفع من شجع الباطرونا والشناقة، فلكل قطاع شناقته فلا يعقل أن نشتكي من الفساد ونحن من نقوي المفسدين،إذ أنه لو لم يتم إلغاء شعيرة الذبح لوجدنا المواطن يبكي وينوح على غلاء الأضحية، إنها التراجيديا والكوميديا في شخصية المواطن .