أقلام حرة

الدكتور محمد بنلحسن يكتب : "التربية ضد الوباء كورونا أنموذجا "

playstore

فرض فيروس كورونا المستجد على سكان العالم بأسره، وعلى الحكومات والدول والسلطات، جملة من الاحتياطات الضرورية والإجراءات الاحترازية لم يتقدم بها العهد، من قبيل:

1.    الكف عن المصافحة؛

sefroupress

2.    تجنب التقبيل؛

3.    الابتعاد عن العناق؛

4.    التزام مسافة التباعد الاجتماعي في الأماكن العامة وتفادي الازدحام؛ (احتفظ بمسافة لا تقل عن متر واحد (3 أقدام) بينك وبين أي شخص يسعل أو يعطس (منظمة الصحة ع)

5.    تجنب لمس العينين والأنف والفم؛

6.    ارتداء القناع / الكمّامة مع استبدالها بعد ساعات قليلة من الاستعمال؛

7.    غسل اليدين جيدا بالماء والصابون باستمرار وفَركهما بمطهِّر كحولي من شأنه أن يقتل الفيروسات التي قد تكون على اليدين؛

8.    ممارسات النظافة التنفسية استعمال المرفق أو منديل ورقي عند السعال أو العطس (توصيف منظمة الصحة العالمية)؛

9.    تعقيم المقابض والأدوات والأماكن والفضاءات لاسيما التي يرتادها عدد كبير من الناس؛

10.       توقف الزيارات العائلية؛

11.        إغلاق المدارس والمساجد والمقاهي والحمامات وقاعات الحلاقة والرياضة  وقاعات الحفلات…

12.        الالتزام بالحجر الصحي وعدم الخروج من المنازل إلا لضرورة قصوى حددت في ثلاثة أشياء (العمل، الصحة، التسوق)

13.        توقيف وسائل النقل العمومية الجوية والبرية والبحرية

لاشك أن هذا الوباء؛ كوفيد 19 (كورونا فيروس)؛ قد فَرض جملة من القواعد الجديدة التي أصبحت تندرج ضمن الاجراءات الاحترازية، أو ما سُمي أيضا بالإجراءات الحاجزية التي فرضتها السلطات العمومية بتوصية من منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة العمومية في دول العالم؛ سواء التي تفشى فيها الوباء، أم تلك التي لاتزال في بداية اكتشاف الإصابات بها، وذلك من أجل التخفيف من حدة تفشي هذا الوباء وسط السكان، وفي دول العالم؛ لاسيما في ظل تزايد أعداد الوفيات في الصين بؤرة الفيروس الأولى، وفي كوريا الجنوبية واليابان، وفي إيطاليا وإيران وإسبانيا…

 هذه السلوكات التي سبقت الإشارة اليها، يمكن أن ندرجها ضمن ما يمكننا تسميته بـ ” التربية ضد الوباء”؛ وهي نوع جديد من التربية تختلف تماما عما عهدناه من نصائح وتوجيهات تتعلق بالنظافة العامة التي دأبنا على تلقينها لأطفلنا وتلاميذنا منذ السنوات الأولى للتعلم…لماذا؟

لابد في نظري أن نُميز بين تربية نقوم بها في بيئة عادية طبيعية لا وباء فيها ولا مخاطر ولا فيروسات قاتلة، وبين تربية يتم فرضها تحت طائلة العقوبات الزجرية ناهيك عن مخاطر انتقال عدوى الفيروس الفتاك…

كما يجب التمييز بين تربية تُوجه عادة للصغار واليافعين والمراهقين أحيانا، وتربية تستهدف الجميع، لاسيما الكبار، وهنا مكمن الفرق بين التربيتين.

والسؤال الذي يفرض نفسه أيضا في هذا الإطار، هل ستترك قواعد هذه التربية مع زوال الفيروس، أو سنظل متمسكين بها اتقاء لعودته، أو لظهور فيروسات مماثلة؟

في الحقيقة، يجب أن نتعلم من هذا الفيروس، وأن نأخذ العبرة للمستقبل، وإذا كنا مقتنعين بأن قواعد السلوك الفردي والجماعي التي فرضها علينا فيروس كورونا الحالي، هي الوحيدة التي ستمكننا في ظل غياب اللقاحات الناجعة ضد الوباء من الحفاظ على مناعتنا وتقويتها.

إن التربية في معانيها السامية وأبعادها التوجيهية والتحصينية لشخصية الإنسان ومناعته، لا ترتبط أبدا بتحصيل فوائد ظرفية أو منافع مادية زائلة.

إن مقاصد التربية تتعدى الآني والظرفي، لأنها تستهدف ولاشك إنماء شخصية الإنسان والارتقاء به وذلك بجعله متوافقا مع محيطه وقادرا على مجابهة إكراهاته وصعوباته.

يجب أن تصبح التربيةُ ضد الوباء، أيّ وباء طبعا، وليس كورونا حاليا، جزءا من سلوكنا اليوميِّ السّويِّ، سواء مع ذواتنا أم في أسرنا ومدارسنا ومؤسساتنا.

إن قواعد النظافة والطهارة التي أوصى بها ديننا الحنيف، والتي جعلها شرطا ضروريا لصحة العبادة، لا يمكننا التخلي عنها، وما تخلينا عنها يوما، بل يجب أن نتعلم من الفيروس الحالي، كيف نحافظ عليها ونعض عليها بالنواجذ، لأنها ليست مُعينا لنا على الصلاة فقط، بل هي وقاية لنا من الفيروسات الفتاكة.

كما أن التباعد واحترام المسافة في التواصل والتعامل مع الآخر، يجب أن يصبحا سلوكا ثابتا في حياتنا العادية ولو بعد ذهاب هذا الوباء.

وبناء عليه، وفي إطار التربية ضد الوباء، التي يجب أن تُناط بالمدارس، والمؤسسات التعليمية، والجامعات، والمساجد، والمجالس العلمية، والمنابر الإعلامية بأنواعها كافة، والمجتمع المدني، يجب منع أي شخص تظهر عليه علامات المرض، ولو كان نزلة برد خفيفة، من الاختلاط بالآخرين، لاسيما في الأماكن العامة؛ مثل المدارس والمساجد والمصانع وفضاءات التسوق ناهيك عن وسائل النقل العمومية…مع وجوب تنبيه المريض الآخرين من خلال وضع قناع / كمّامة لمنع انتقال الرذاذ من المرضى نحو الأصحاء…

لاشك أن حياة الناس بعد كورونا، لن تكون مماثلة لما  قبل انتشار الوباء…ولا جدال في أن أعداد الموتى في الدول التي تفشى بها الوباء، كل ذلك سيغير كثيرا من عاداتنا وتصرفاتنا التي كانت تعتبر عادية ولا تشكل أي خطر على صحة الأفراد والجماعات…

إن الصعوبات التي جابهت العلماء والخبراء ومختبرات الأدوية في العالم، لاسيما تلك المشهورة بتصنيع الدواء، والتي عجزت لحد الآن عن اكتشاف اللقاحات القادرة على استئصال الفيروس المستجد، يجعل البشرية أمام حل وحيد، يتمثل في التزام قواعد الحجر الصحي، وهو أساس التربية ضد الوباء.

علينا أن نظل متأهبين لظهور فيروسات أخرى مستجدة، ومن يدري قد تكون أكثر فتكا من فيروس كورونا المستجد، ولا خيار لنا غير ترسيخ التربية ضد الوباء في بيوتنا وعائلتنا ومدارسنا ومساجدنا وأحيائنا وإعلامنا بأنواعه كافة….

يجب أن تجد التربية ضد الوباء سريعا مكانا دائما لها في مناهجنا التعليمية والتكوينية، سواء الحالية من خلال التنقيح، أو المناهج المستقبلية المستحدثة عبر التأليف والصياغة.

كما على مدارسنا ومؤسساتنا من رياض الأطفال إلى الجامعات ومعاهد التكوين المهني والتأهيل في مهن التربية والتكوين، أن تدمج التربية ضد الوباء ضمن برامجها ومناهجها.

إذا نجحت السلطات اليوم في فرض بعض قواعد التربية الصحية ضد الوباء، من خلال تغريم ومتابعة خارقي قانون الطوارئ الصحية، وأولئك الذين لا يضعون الكمامات عند خروجهم للضرورة، فإننا لا نضمن ترسيخ قواعد التربية الصحية ضد الوباء بعد زواله إلا بالتربية ضد الوباء التي لا يجب أن تتوقف.  

·       محمد بنلحسن أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس

·       كاتب رأي ومدون بمدونات الجزيرة والجزيرة مباشر وساسة بوست

·       رئيس المركز المغربي مآلات للأبحاث والدراسات

·       نائب كاتب عام الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بالمغرب

·       نائب رئيس شبكة رفيق للتعلم عن بعد

لـــــه 6 إصدارات:

1-    تعليم اللغة العربية وتعلُّمها بالمغرب مقتضيات المنهاج وإكراهات الإنجاز، 2019 

2-   إصلاح منظومة التربية والتكوين بين الخطاب والتنزيل، 2019

3-   البحث العلمي والتنمية في الدول العربية الحصائل والانتظارات، 2017  

4-   كتاب التلقي لدى حازم القرطاجني من خلال منهاج البلغاء وسراج الأدباء،

playstore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا