المغرب

التزام سعودي–إيراني متجدد يعيد إحياء اتفاق بكين تحت مظلة الدور الصيني

جددت المملكة العربية السعودية وإيران التزامهما الكامل بتنفيذ اتفاق بكين لعام 2023، في خطوة تُعيد التأكيد على أن المصالحة بين القوتين الإقليميتين لم تكن حدثاً عابراً، بل مساراً استراتيجياً تتعزز ملامحه مع مرور الوقت. الإعلان الأخير لم يأتِ للتذكير ببنود معروفة فقط، بل لإظهار حرص الطرفين على تجاوز مرحلة التوتر إلى بناء علاقات أكثر استقراراً، تتضمن تعاوناً قنصلياً وثقافياً واقتصادياً، بإشراف مباشر من الصين التي تحولت من وسيط إلى طرف راعٍ للمسار.

هذا التجديد في الالتزام يعكس تغيراً واضحاً في المقاربة السياسية لكل من الرياض وطهران. فالسعودية، وهي تسعى إلى تثبيت موقعها كقوة إقليمية ذات رؤية تنموية، تدرك أن استقرار المنطقة شرط أساسي لنجاح مشاريعها الكبرى. وإيران، التي تواجه ضغوطاً اقتصادية وسياسية، ترى في التهدئة مع الجوار الخليجي فرصة لتخفيف عزلتها واستعادة قنوات التواصل عبر اتفاقات ذات طابع مؤسساتي. لذلك، يبدو أن الطرفين اختارا نهج البراغماتية بدل الصدام، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية.

اللافت في هذا المسار هو الدور المتنامي للصين، التي لم تكتف بالوساطة سنة 2023، بل أصبحت ضامناً سياسياً للتفاهمات، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع كلا البلدين. بكين تنظر إلى الاستقرار في الخليج باعتباره ضرورة استراتيجية لضمان تدفق الطاقة وحماية مصالحها الاقتصادية، وفي الآن نفسه تسعى لتوسيع نفوذها الدبلوماسي في منطقة لطالما اعتُبرت ساحة تقليدية للنفوذ الغربي.

أما على المستوى العملي، فإن التركيز على التعاون القنصلي والثقافي والاقتصادي يشير إلى انتقال الاتفاق من مجرد تفاهم سياسي إلى خطوات عملية تهدف لبناء الثقة. التعاون القنصلي يفتح الباب أمام تسهيلات أكبر للمواطنين، والتنسيق الثقافي يهدف لتقليص الفجوة التي صنعتها سنوات من التوتر، بينما يحمل التعاون الاقتصادي إمكانيات تبادل تجاري واستثمارات مستقبلية قد تخدم الطرفين رغم التعقيدات الدولية.

هذا الالتزام المتجدد يحمل أيضاً أبعاداً إقليمية واسعة. فتهدئة الخلاف السعودي–الإيراني تساهم في خفض منسوب التوتر في ملفات مثل اليمن والعراق وسوريا، وتقلل من احتمالات التصعيد في الخليج. ورغم أن المصالحة لن تحل جميع الخلافات بين يوم وليلة، إلا أنها تخلق مناخاً أقل احتقاناً يسمح بفتح مسارات تفاوض في أكثر من ساحة.

في الخلاصة، يظهر أن اتفاق بكين قد تجاوز مرحلة “الرمزية الدبلوماسية” ليدخل مرحلة “الاستمرارية العملية”، بدعم مباشر من الصين وإرادة سياسية مشتركة للرياض وطهران. وبينما تبقى التحديات قائمة، فإن التزام الطرفين بتنفيذ الاتفاق يؤشر على بداية مرحلة جديدة من التوازنات الإقليمية، يكون فيها الحوار أكثر حضوراً من المواجهة، والاستقرار هدفاً مشتركاً يتقدم على منطق الصراع التقليدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى