المغرب

إكراهات البحث العلمي بالجامعة بين إصلاح دور مركز دراسات الدكتوراه و تجديد مقاربة البحث العلمي النموذجية ..

playstore
  • د أحمد الدرداري
    انطلاقا من كون الجامعة المغربية و جدت لتخدم المجتمع و التنمية و البحث العلمي و الطالب مجتمعين في تركيبة نسقية .. فإن الملاحظة تكمن حول النقص في الجودة و التجديد و ربط وظائفها بالنسق السياسي و الاجتماعي و الثقافي و التنموي .
    فأحيانا تتباعد الغاية من وجودها عن الواقع المتفاعل أو المغذي لها و الذي ينتظر قيامها بدورها للتطور و التغيير انطلاقا من استقلاليتها و بنيتها البحثية
  • فالجامعة عن طريق مراكز دراسة الدكتوراه يطرح سؤال جودة الانتاجات العلمية و البحثية جدوى الصبيب المهم من البحوث و الاطاريح الموجودة في رفوف الكليات.
  • فإشكالية دور مراكز دراسة الدكتوراه تطرح وتثير من جديد تحديات البحث العلمي المتسم بالضعف و هيمنة الجانب الاداري و القانوني على حساب الخبرة العلمية و تفعيل الاحتكام لضوابط البحث العلمي الشكلية و الموضوعية .. و التي تبقى مرتبطة بالسلطة التقديرية للجنة العلمية التي قد ترفض أو تقبل الأعمال البحثية .
    ان الفهم العلمي للتساؤلات المطروحة و تقديم إجابة علمية عنها هو رهان يتطلب الكشف عن الحقيقة والتي ليست سوى احد الشرطين ليكون الشخص مثقفاً : الشجاعة ، و ان يكون الباحث مستعداً للذهاب بالبحث العلمي أي ابعد مدى . و أن يقوم بالنقد الحازم لكل ما هو موجود بهدف التغيير..
    و الفهم العلمي للظواهر يتطلب تفسيرهاز علميا و إدراكها علميا و ضبطها علميا و التحكم فيها علميا ثم التنبؤ بما يمكن ان يقع في المستقبل ، وأخذ الاحتياطات العلمية..
    صحيح ان المغرب يعرف حالة نهوض شامل ،لكن البحث العلمي يحتاج إلى مجموعة من الآليات لمواكبة التطورات و منها:
    الرفع من ميزانية البحث العلمي. تطوير قدرات الباحث لتغيير طريقة التفكير..
    تطوير اختيارات الجامعة و ربطها بالسياسات العمومية وبالمجتمع . تطوير المناهج العلمية لتجويد الانتاج المعرفي و ربطه بالاحتياجات الوطنية و الترابية.
    _ربط البحث العلمي لمراكز الدراسات و مختبرات البحث ببرامج الخدمات الرقمية ، وتوفير مكتبات رقمية و بنوك اسئلة ، و محرك البحث الاكاديمي ، ومنصة جامعية توفر الخدمات للجمهور ، و الاهتمام بالطالب منذ ولوجه للجامعة بالتوجيه و التكوين و التدريب و توفير الامكانيات لمسايرة الحياة الجامعية.
    فالجامعة و مراكز دراسة الدكتوراه و انطلاقا من الاستقلالية الداخلية للجامعات و توفير فرص إنشاء مخترات للبحث على مستوى الكليات للنهوض بالبحث العلمي تعترضها احيانا عوامل لا تخدم البحث العلمي، كالتي لها علاقة بطريقة تكوينها من قبيل مراعاة الأقدمية و غياب التناوب على الهياكل .. و أيضا عامل الأحلاف و عوامل شخصية ..مما يجعل أغلب الأساتذة يكتفون بالعمل الفردي . بل حتى بعض الشعب في بعض الكليات لم يتم هيكلتها بعد، و هناك سوء فهم للأدوار و طغيان التأويل الشخصي الضيق المحبط للمبادرات وللتعاون ..
  • أما بالنسبة لمراكز دراسات الدكتوراه فالأمر أيضا يحتاج إلى إصلاح ، خصوصا و أن المراكز مكتضة بالطلبة الدكاترة و منهم من تجاوز عدد السنوات المسموح بها كحد أقصى لإنجاز الأطروحة 3-6 سنوات. و ما يزال عدد منهم عالق و المسؤولية مقتسمة بين مديري الأطاريح و الطلبة الباحثين، و في ذلك هدر للزمن البحثي وتفويت للفرص أمام الطلبة الجدد الذين قد يكونوا أفضل إذا ما قارنا الوضعيات بالشروط الواجب توفرها في الطالب الباحث الراغب سواء عند أبي حسن الماوردي أو من وجهة نظر الأكاديميين .. و تجمع حول احترام المبادئ المؤكدة و الثابتة و الضرورية للانتماء الى مراكز دراسات الدكتوراه.
    هذا بالإضافة الى مشاكل مرتبطة بالمصادر و لغة البحث و غياب الإحصائيات اللازمة و ارتباط الباحث بمجتمع غير علمي و الخصاص المادي و غياب التحفيز و محدودية الهدف والغاية من البحث .
    _ معلوم أن الجامعة هي فضاء للتفكير الحر والمبدع والخلاق والنقاش وإنتاج الأفكار والتنظيم للمجتمع والمشاركة في المشروع المجتمعي التنموي والإسهام في صناعة السياسات العمومية والقرار العمومي والتوجيه والرقابة للحياة المجتمعية …
    فالهدف يكمن في تكوين الانسان وتطوير التفكير في المجتمع بتطوير البحث العلمي .
    صحيح هناك محاولات إصلاح للجامعة تحكمت فيها معادلات الصراع العام في المجتمع …لذا فإن إعمال الحكامة الجديدة كما تسري دستوريا على امتداد هرم الدولة والمؤسسات المتدخلة في التعليم العالي برلمان ، حكومة والقطاع الخاص … واستحضار رؤية الإصلاح وقيادتها بشجاعة وربط التعليم العالي بالأوراش الكبرى للإصلاحات السياسية والاجتماعية والثقافية وربط البحث العلمي بالتنمية وتقدم المجتمع .
    فالجامعة هي مورد أساسي للدولة بالأطر الكافية في شتى المجالات وكذلك القطاع الخاص …لذا فإن التفكير في الارتقاء بالجامعة ومنها مراكز دراسات الدكتوراه والمختبرات البحثية في ظل التغييرات الجديدة للبحث العلمي وتجويد المناهج العلمية وربطها بالأهداف من إجراء البحث العلمي وجعله تنافسيا كلها غايات أسمى تطمح اليها الجامعة المغربية.
    اما في ما يتعلق بواقع البحث العلمي الذي يفرض ربط مناهج العلمية بالمعرفة الاكاديمية و امام تشعب الاشكالات، وتعقيد الواقع الاجتماعي الذي تنمو فيه الظواهر و المشاكل المتراكمة التي تستحق الدراسة و النبش . مما يفسر ان الأزمة الاجتماعية لا تصاحبها الإجابات العلمية، فنجد مراكز للدراسات الأجنبية أدرى بالحقائق من مراكز البحث الوطنية في بعض الجوانب مما يدل على ضعف أداء المراكز دراسات الدكتوراه بالجامعات و التي بدون توفر الشروط الضرورية لا يمكنها الغوص في عمق المشاكل التي لها علاقة بالتنمية وبالديمقراطية، و أزمة الاصلاح و الثقة و التنشئة الاجتماعية التي تحتاج الى مقاربة بحثية و دراسات قانونية و اجتماعية قادرة على حل التعقيدات و تغيير الروابط و التفاعلات بين الظواهر الاجتماعية و القانونية و الوصول الى الاسباب الدافعة إليها، و التنبؤ بالنهايات الجدلية لها بالتحكم العلمي.
    و المناهج كأدوات للدراسة و البحث سواء كنظريات أو كإطارات تصاغ فيها الافكار، فتعترضها صعوبات مرتبطة بكيفية استعمالها و تطبيقها في دراسة المشاكل و الظواهر مواضيع البحث و تحتاج إلى لقاء اخر يسمح بتفصيل أعمق …
    فالجامعة والمجتمع والثقافة، ومواكبة الإستقرار وتنظيم النمو والتقدم مترابطة فيما بينها، وثبت أن الإنجاز الثقافي يقوم بدعم تلقائي للفيسيولوجيا البشرية.
    فالابحاث العلمية تربط الإستنتاجات الاقتصادية والقانونية والعلمية بالحاجات السوسيولوجية والثقافية تقوم بوظائف حيوية داخل المجتمع بشكل تكاملي ونسقي بين العادات والأهداف والأفكار.
    والأدوار الإجتماعيةوالثقافية للجامعة تقتضي تعميق الأبحاث حول أسباب الضغوطات الإجتماعية والثقافية التي يمارسها البناء الإجتماعي .. وتوجيه الحياة الإجتماعية بسلوكات إمتثالية بوضوح الأهداف والأساليب المحققة لهذه الأهداف.
  • وتجدر الاشارة الى انه يمكن القول أن اعتماد المقاربة الوظيفة البنائية غير كافية لكونها تسمم بالغموض.
    لذا ظهر المنهج النسقي مع تالكوت بارسونز الذي فضل الحديث عن النسق الإجتماعي والثقافي و نسق الشخصية. كمقاربة بديلة لغموض التيار البنيوي الوظيفي.
    ونظرا لكون الحياة السياسية هي نسق سلوك موجود في بيئة يتفاعل معها أخذا وعطاء من خلال فتحتين من خلاله مدخلات ومخرجات وتعامل مع النسق بمثابة كائن حي يعيش في بيئة فيزيائية مادية وبيولوجية و إجتماعية وبيولوجية واجتماعية وسيكولوجية، ومفتوح على البيئة الداخلية والخارجية.
    فالبنيوية باعتبارها نسق من التحولات له قوانينه الخاصة به ويقوم بالتحولات في ظل توازن النسق ويحافظ على حدوده كما يرى ذلك جون بياجيه، كما يتعامل مع تغيير اي عنصر في النسق باعتباره يعرض باقي العناصر الاخرى للتغيير كما يرى ذلك ليفي استراوش.
    وانطلاقا من بنية الجامعة وضرورة معارضة الطابع الجامد لوظائفها وادخال أسلوب تحليل الوقائع لمواجهة النزعة المحافظة والبطء الذي يؤخر مرتبة الجامعة في سلم ترتيب الجامعات الدولية.
    فاسبنسر الذي استعار من البيولوجية التمييز بين الجسم الحي والمجتمع، وهو اتجاه ظهر مع دوركايم في نهاية القرن 19.
    وطوره مالينوفسكي راد كليف في ثلاثينيات القرن 20.
    فوظيفة بارسونز التي يجب أن تتخطاها الجامعة في الدراسات من خلال مراكز دراسات الدكتوراه بمبادئها 6. والتعامل مع الواقع كالكائن الحي و اعتبار كل نسق يلبي احتياجاته والحفاظ على توازن النسق وتأثير أجزاء النسق على النسق الكلي سلبا وإيجابا، وتلبية حاجات النسق عن طريق بدائل وتكرار الأنشطة من شأنه ان يطور البحث العلمي بشكل أفضل.
    و لكي لا نحافظ على الوضع القائم دون تصحيح الخلل،
    و نقد الإيديولوجية الليبرالية في عمل المراكز البحثية أو الجامعة .
    و إعمال التنميط بالتعاطي الجدلي مع الغاية من وجود مراكز دراسات الدكتوراه، و تغليب قيمة الأبحاث العلمية على الجانب الإداري الذي يعطي أحيانا درجة علمية كبيرة دون غاية مثلى، وإعمال حكامة تدبير الزمن البحثي و الخروج من الظهور الجيد على حساب ضعف المردودية العلمية الذي يفتقر للتسويق.
    وأهم شيئ يمكن الختم به هو أن الجامعة تبقى هي الرافعة الحقيقية للتنمية و هي التي تنتج التصورات و توفر المعرفة و تحتاج الى ربطها بالسياسات العمومية، ذلك أن الابحاث العلمية هي معيار تقدم الدول، و عليه يجب إعادة ربط مكونات الجامعة ببعضها بشكل نسقي و متوازن .
    الدكتور احمد درداري
    استاذ التعليم العالي بجامعة عبد الملك السعدي
    رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات

playstore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا