رغم مرور 26 سنة على وفاته لازالت ساكنة مدينة المنزل تتذكره كما لو أنه حي يرزق ، إنه المناضل اليساري في صفوف الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية زمن السبعينات والثمانينات وفي صفوف التقدم والاشتراكية في حقبة التسعينيات والمعتقل السابق أيام سنوات الرصاص. إنه محمد يخلف الإنسان الذي ازداد بدوار امغيلة جماعة أولاد امكودو سنة 1944 حيث ترعرع ونما في طفولة صعبة بعد وفاة والده في الحرب العالمية الثانية و عاش في كنف والدته التي تحملت مشقة دراسته الابتدائية برباط الخير متنقلا على دابة لبعد الشقة بين بيته والمدرسة.. وعلى ضوء النتائج الممتازة ساعده أستاذ له آنذاك ليكمل دراسته بمدينة صفرو حيث حصل على الشهادة الإعدادية وعمل معلما بصفرو، دون أن ينسى إتمام دراسته بالجامعة ليحصل على الإجازة ويصبح أستاذا للسلك الثاني بثانوية لحسن اليوسي بنفس المدينة. ويحصل بعد ذلك على الدكتوراة… كان موضوع أطروحته للدكتوراة : ’’تطور أدوات السياسة المحلية في صفرو من نهاية القرن التاسع عشر الى غاية سنة 1956 ’’،كما حصل على دكتوراة الدولة في الآداب شعبة التاريخ وكان موضوع أطروحته ’’بلدية فاس في عهد الحماية 1912 ـ1956 ’’، وكان يشتعل أستاذا للتاريخ المعاصر بكلية الآداب بفاس.
حملته الانتخابات الجماعية لسنة 1976 تحت مظلة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى رئاسة بلدية مدينة صفرو ليبلو البلاء الحسن ويعطي النموذج الحي في التسيير الجماعي ليكتسب عطف ومودة الجماهير لما حققه من إقلاع تنموي لهذه المدينة الصغيرة في ظرف وجيز إذا لم نقل في زمن قياسي. بعد ذلك تم الدفع به من قبل بعض رفاقه في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للترشح في مدينة فاس نظرا للشعبية التي كان يتمتع بها ،وخاض انتخابات سنة 1983 ليحقق هو رفاقه فوزا كاسحا ، وعند تكوين مكتب المجلس الجماعي سيصطدم سي محمد باللوبي الفاسي الذي لم يستوعب فكرة وجود رئيس لبلدية فاس من خارج أسوار هذه المدينة لينزل بكل ضغطه وبالتالي يجبر المناضل على الرضوخ للأمر الواقع والقبول بشغل منصب نائب رئيس بلدية فاس من سنة1982 إلى سنة 1992 مكرها لا مخيرا، ليعود مرة أخرى إلى مدينة صفرو ويخوض الانتخابات الجماعية ويعتلي بذلك رئاسة بلديتها للمرة الثانية كما كان منتظرا ومتوقعا سنة 1992. في 25 أكتوبر سنة 1993 سيقرر المناضل التقدمي الالتحاق ببلدته الأم مدينة المنزل لخوض الانتخابات التشريعية ومرة أخرى مكرها لا راغبا ليدخل غمار هذه الانتخابات تحت مظلة ’’لا منتمي ’’أو مستقل، لتلتف حوله جميع الأطياف السياسية والجمعوية وتخرج الجماهير ،شيوخا وصغارا نساءا ورجالا مهللة وراءه ويحقق بذلك فوزا كاسحا محطما فيه الرقم القياسي الذي سيظل تتباهى به الجماهير على مر الزمان [11000]صوتا… ومباشرة بعد وصوله قبة البرلمان سيلتحق المناضل برفاق علي يعتة حزب التقدم والإشتراكية ليرد الصاع صاعين لرفاق الأمس الذين تآمروا عليه مرتين الأولى عند الوقوف في وجهه وحرمانه من رئاسة بلدية فاس والثانية لرفضهم منحه تزكية الحزب عن دائرة صفرو لخوض غمار الإنتخابات التشريعية. فعندما اختار المناضل الصفريوي عن قناعة مبدئية ،جعل بيته من زجاج ،وبناء سياسته وسلوكه وممارساته على قواعد المسؤولية والوضوح،وجعل مصالح الشعب والوطن هي المنطلق في اتخاذ مواقفه ،بعيدا عن كل ميل ديماغوجي أو انتهازي.عندما اختار المناضل هذا الطريق ،وسار عليه قولا وعملا ،لم يكن يجهل وعورة هذا المسلك ،ولكنه مؤمن بأن هذا هو الطريق السليم الذي يفضي الى تقوية النضال الديمقراطي وتوفير المقدمات الذاتية والموضوعية لتحقيق الاهداف الديمقراطية ومطامح الشعب.
على هذه القاعدة حرص دائما هذا المناضل في اتخاذ مواقفه السياسية بكل تبصر،وبكل جرأة سياسية ،وبكل ترفع عن الحسابات الضيقة وعن كل سعي لبلوغ مراتب النجومية مع حرصه المبدئي على استراتجية العمل الوحدوي. هذا هو سلوك المناضل محمد يخلف الذي أكسبه دعم أعداد من المواطنين والجماهير الواعية وتقدير أوساط واسعة من الأطر والكفاءات والمناضلين الديمقراطيين والعمال والفلاحين. غير أن الحياة لم تتسع لكل طموحاته ،حيث عاجلته المنية رحمه الله في حادثة سير بين الخميسات وتيفلت في مساء يوم 24|02|1995 بعد أن كان قد أنهى أشغال الدورة العادية في جمع عام ببلدية صفرو.لتبقى وفاته صدمة لزوجته السويسرية (ماري) ولكل محبيه وأنصاره .
رشيد الملاحي