تازة

خاص:مدينة تازة يوم المنعطف التاريخي 10 ماي 1914م- 10 ماي 2014م

playstore

تستوقفنا محطة تاريخية، ظلت معْلما راسخا في سجل مدينة تازة، منذ قرن من الزمن، يحق لنا أن نسترجعها بكيفية سريعة، للحديث عن معناها واستخلاص مغزاها، من زاوية الذاكرة التاريخية الجماعية للمجتمع والمجال، ومن منظور عِلم التاريخ وأهدافه، دون التفصيل في الوقائع والأحداث الدامية التي كانت مدينة تازة وأحوازها مسرحا لها يوم 10 ماي 1914م، يوم لم يكن كباقي الأيام التي سبقته، لأن تازة ستتغير معالمها بكيفية جلية، مما سيُدخلها في مسار جديد تتبدل معه المعالم والرموز والأحوال.

1- بماذا يوحي هذا الحدث؟

sefroupress

يمكن ألا يثير هذا الحدث فكر ووجدان الكثير من التازيين والتازيات، غير أن القلة القليلة منهم المتتبعة والمطلعة تتذكره بتفاصيله عبر كتب التاريخ، ومن واجبها أن تُذكِّر به من يجهله كُليّا، أو من لم يستطيع استرجاعه في الوقت المناسب، إنه حدث مهم في التاريخ المحلي المعاصر لمدينة تازة، ذلك التاريخ الضاربة جذوره في عمق الزمان، بكل ما تخلله من فترات مكابدة ومسرات، وظروف استقرار وتقلبات… بل ومنعطفات قوية على شاكلة يوم 10 ماي.

2- أهمية الحدث: المنعطف التاريخي البارز

لا يمكن اعتبار يوم 10 ماي 1914م، حدثا عابرا بدون أثر مُعبر في وجدان الإنسان التازي وفي ملامح مجاله الجغرافي، بل يُعد بقوته وأثره المُدوي آنئذ على الصعيدين الوطني والدولي، نقلة نوعية في مسار مدينة تازة، التي مرت قبل ذلك من حقبة طويلة من عدم الاستقرار، قوامها المعناة المادية والمعنوية، في سياق وطني مضطرب ومتحول، فقَد فيه المخزن السيطرة على المدينة بكيفية شبه كلية، إلى مرحلة جديدة، بئيسة بفعل فقدان سيادة البلاد في ظل حكم استعماري مقتحم وغير مرغوب فيه، لكنها بحكم وقائع الميدان وقرائنه المادية، مرحلة استقرار وبناء في ظل المشروع الكولونيالي الفرنسي بالمغرب. ذلك أن الجيوش الفرنسية دخلت المدينة من جهة الشرق بقيادة الجنيرال “بومكارتن”، وتمكنت إخضاع المدينة التي استعصت عليها منذ توقيع عقد الحماية سنة 1912م. استعصاء يرجع إلى عوامل داخلية، وأخرى خارجية، ستأتي التفاصيل حولها في مناسبة لاحقة.

والجدير بالذكر أن المغزى المرغوب فيه من تداول هذا الصدد، لا تكمن في استحضار هذا اليوم في حد ذاته، وإنما أيضا في ما ترتب عنه من حصيلة؛ يتذكرهُما الباحث -الحدث ومخلفاته- لكي يضعهما على المحك التاريخي ليحكم عليهما. فله من الوسائل المنهجية ما يُمكنه، بالإضافة إلى استرجاع الحدث والذاكرة، تجاوز ما هو متداول حولهما من تقويمات وأحكام أدخلتهما في نمطية مكررة، وفي جاهزية تحفز على إعادة قراءة هذا الماضي، وخلخلة ما أصبح يدخل في خانة مسلماته/طابوهاته. تلك هي الفوائد والعبر المستهدف من قراءة هذا الحدث التاريخي.

3- مغزى استرجاع الحدث

يمكن للمتتبع المنخرط، وهو يتذكر هذا الحدث، أن يوظفه لاسترجاع الذاكرة، وهنا لا بد أن يَحذر من الزيغ عن الموضوعية، فيجد نفسه يعزف على وتر دغدغة العواطف والنفخ في الذات والتضخيم في الاعتزاز بها، في تجاهل أو تناس لكُنْه الوقائع، ويكون بذلك قد جانب إعادة كتابة التاريخ، الذي له مقوماته الابستيمولوجية ومقارباته المنهجية. ولن تغيب عن الذهن فوائد هذا النهج، الذي يُسائل الذات والسلوك الفردي والجماعي، ويقف عند الهينات ويرصد المَطبات التي تَكون قاتلة أحيانا، ليُطل من خلال ذلك على المستقبل بِعُدَّة فكرية ومنهجية موجهة للتصحيح… فالتاريخ من هذا المنظور، يُعد مدرسة للتكوين ومختبر للصيانة الوجدانية وآلية لتقويم المسار، بل واستراتيجية لتجديد الرؤى والخيارات… ومن ثمة فإن عملية بناء الذاكرة بكيفية غير عقلانية غالبا ما تبتعد عن مقاصد التاريخ، لأنها تترك القراءة العميقة المتبصرة القائمة على إعمال الفكر النقدي، وفي مقابل ذلك تُوظف الحدث باعتماد قراءة سطحية لشحن الوجدان الفردي والجماعي، المُفضي إلى بناء أيقونات وأوهام سرعان ما تتحول إلى حقائق مظللة بفعل تداولها المُمنهج والواسع، في منحى أيدلوجي سافر، يجعل التنافر قائما بين الذاكرة والتاريخ.

4- أخطأنا الموعد مع التاريخ: غياب المبادرة

حقيقة أن هذا الحدث من صميم التاريخ المحلي لمدينة تازة، لكنه في منحاه العام ينحدر من صلب التاريخ الوطني، الذي يعتبر مِلكا مشتركا بين الجميع، يمكنه أن يمثل منطلق مبادرات متعددة للتداول الفكري والنقاش العلمي متى تطلبت الحاجة لذلك، وتوفرت الظروف المناسبة؛ ومن هذه الزاوية، أتاح هذا الحدث التازي فعلا، فرصة ذهبية بامتياز، في اعتقادي، لِما له من سِمة رمزية وقيمة نوعية، باعتباره مَعْلما مفصليا وازنا من حيث بُعده الزمني وتأثيره المجالي، يمكن أن نستثمره في تنظيم حلقة دراسية لفتح نقاش علمي هادئ وبناء من شأنه تثمين الموارد التاريخية المحلية، وتنمية الثقافة التازية، مع ما يفتحه كل ذلك من آفاق لاستثماره حاضرا ومستقبلا… في التنمية الترابية من بوابة العمل الثقافي. هل كنا فعلا في الموعد في اللحظة التاريخية المتاحة؟ أقول هذا، وأنا أستحضر مجالات ترابية من المغرب تستثمر أحداثا أقل أهمية مما نحن بصدده، أو تحاول أن تستحدث مناسبات، أو تختلقها من لا شيء، من أجل إضفاء بعض المصداقية على أنشطة تضطلع بها لخلق إشعاع خاص بها.

إن عدم أخذ المبادرة للوقوف عند هذا المحطة التاريخية “المنعطف التاريخي التازي”، من قبل الفاعلين الثقافيين والمدبرين المحليين بمدينة تازة، يُعد خسارة في حد ذاتها، لقد حُرم الرأي العام والأجيال الحالية وعموم المهتمين بالشأن الثقافي بتازة والمغرب، من حقهم في تعرف أحداث مهمة من تاريخهم، وفهمها بكيفية صحيحة، لما لهذا الأمر من أثر تربوي بالغ، في التثقيف بتوفير المعرفة، وحفز ملكات فهمهم وإيقاظ حسهم النقدي، ناهيك عن تقوية جانبهم الوجداني المفضي إلى تقوية الشعور بالانتماء من خلال تفاعلهم مع ممارسات الأجداد بالتعزيز، أو الانتقاد والتصحيح… وهذا هو ديْدن العمل الثقافي الجاد والبحث التاريخي المُجدي. فبقدر ما يشكل مصدر تثقيف، فهو مرتكز للتكوين وتقوية القدرات الشخصية للمستهدف، على أساس أن تدبيره يخضع لتصور واضح المعالم.

5- مقترح في أفق إعداد المشروع الثقافي لمدينة تازة

لم تخل الساحة التازية من مبادرات تظهر بين الفينة والأخرى، تجعل من مجال المدينة ومحيطها منطلقا لأنشطة فكرية مُفيدة، بحيث تعالج إشكاليات متعددة، اضطلعت فيها كل من الجامعة والجماعة والجمعية وباقي المؤسسات… بدور بارز، غير أن مدينة تازة بثقلها التاريخي وغنى مجالها الجغرافي، وتعدد جذورها الثقافية، في حاجة إلى تكثيف مثل هذه المبادرات في سياق منافسة ترابية محمومة بين المدن والمناطق والجهات، تتجسد في تنظيم المواسم والمهرجانات والملتقيات الفكرية المتنوعة… ويعد في الحقيقة حدث 10 ماي مُدخلا سانحا لإضافة نشاط نوعي بارز،  يؤثث فضاء العمل الثقافي المحلي بتازة، لا ينحصر دوره في توثيق وإعادة كتابة تاريخ المدينة، الذي يُعد في حد ذاته على درجة كبيرة من الأهمية الفكرية والإجرائية، ولكن أيضا لخلق رأسمال ثقافي مشكل من مختلف الفاعلين، يُنشطون الفضاء ويعضدون التدبير المحلي بما يقترحونه من حلول للقضايا التنموية المطروحة. إنه بكل بساطة المشروع الثقافي المقترح للمدينة، وهي أهل له.

تلك هي روح الفكرة التي تضمنها مقترح صدر عن ثلة من الفاعلين الثقافيين، الذين رصدوا هذا الحدث قبل سنة تقريبا من حلوله، وبادروا إلى طرح الفكرة على جهة نافذة معنية بالشأن المحلي، إذ بلوروها في أرضية لمشروع ثقافي يكون منطلقه هذا اليوم، ليلازم كل سنة مسار المدينة وإشكالياتها في أفق تنموي واضح.

والواقع، أن الأمل ما زال معقودا، والمسار مفتوحا لتجسيد هذا المشروع الثقافي، ليشكل وعاء تنمويا بامتياز، بحث يفتح فرص التداول الفكري بين مختلف الفاعلين الترابيين حول القضايا المجالية التي تهم التنمية المحلية، وتُشكل مُخرجاته قوة اقتراحية تشاركية، تسهم في إنضاج القرار وبلورة الحلول للإشكاليات المطروحة.

فرُب قائل يقول أن هذا المُقوم الثقافي المُقترح، المبني على التواصل الإيجابي والحوار البناء، الذي من شأنه توجيه الفكر السديد وتقوية الموقف الصائب، عوض التعنت والصدام القاتل، كان ينقص مجتمعنا في الماضي بدون شك، وقاد في غيابه إلى إضعافه، وإرباك هممه، فأدخله في الوهن المذل، وحوَّله إلى لقمة سائغة بيد من استضعفوه واغتصبوا كرامته، إنها المغزى والعبرة التي يمكن أن نستلهما من هذا الحدث، ونجعلهما نصْب أعيننا في مسيرتنا التاريخية المتواصلة.

playstore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا