تقرير الأمم المتحدة يضع بوركينا فاسو تحت المجهر وسط اتهامات بالتسييس

أثار تقرير أممي جديد جدلا واسعا في بوركينا فاسو بعدما وجه اتهامات للقوات المسلحة بارتكاب انتهاكات بحق الأطفال في سياق الحرب ضد الجماعات الإرهابية. التقرير الذي قدم إلى مجلس الأمن قوبل برفض شديد من حكومة واغادوغو، التي اعتبرت أن الوثيقة “غير دقيقة وتعتمد على مزاعم كاذبة” وتفتقر إلى الأدلة الموضوعية، مؤكدة أنها لم تستشر في إعداده ولم تبلغ بنتائجه قبل نشره.
رد السلطات جاء سريعا وحادا، حيث شددت على أن التقرير يخلط بين الجيش النظامي والإرهابيين، ما يشكل – حسب وصفها – مساسا مباشرا بشرعية المؤسسة العسكرية التي تقدم نفسها باعتبارها خط الدفاع الأول عن استقرار البلاد. الحكومة أضافت أن مثل هذه المزاعم تهدف إلى تقويض صورتها في الخارج، معتبرة أن منظمة الأمم المتحدة انحازت في تقييمها ولم تستند إلى تحقيقات قضائية أو دلائل رسمية يمكن اعتمادها.
هذا التوتر يأتي في سياق سياسي وأمني معقد، إذ تعيش بوركينا فاسو منذ 2020 سلسلة انقلابات عسكرية وضعتها في قلب معركة نفوذ بين القوى الغربية التي تقودها واشنطن وباريس، والخيارات الجديدة التي اتجهت نحوها السلطة الانتقالية بالتقارب مع موسكو. في خضم هذه التحولات، ينظر إلى التقرير الأممي كأداة ضغط إضافية تستهدف محاصرة الحكومة عسكريا ودبلوماسيا ودفعها إلى التراجع عن خياراتها الاستراتيجية.
المفارقة أن بوركينا فاسو تواجه منذ سنوات تصاعدا غير مسبوق في أعمال العنف على يد جماعات مرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة، ما خلف آلاف القتلى وموجات نزوح واسعة. الجيش الذي يسعى إلى استعادة السيطرة يجد نفسه اليوم في مواجهة معركة على جبهتين: ميدانيا ضد المتمردين، وسياسيا ضد اتهامات دولية تضرب في صميم شرعيته.
ورغم أن الأمم المتحدة تبرر تقاريرها باعتبارها أدوات لحماية حقوق الإنسان، إلا أن توقيتها المتكرر في لحظات سياسية حساسة يثير تساؤلات حول حيادها، خاصة مع تجاهل انتهاكات مشابهة في مناطق أخرى. هذا ما يدفع مراقبين إلى التأكيد بأن حقوق الإنسان أضحت في كثير من الأحيان ورقة تستخدم في الصراعات الجيوسياسية أكثر من كونها آلية لحماية المدنيين.
اليوم، تجد بوركينا فاسو نفسها بين مطرقة الضغط الأممي وسندان الأوضاع الأمنية المتدهورة، في وقت تؤكد فيه الحكومة التزامها بالتعاون مع المنظمات الدولية “بصدق وشفافية”، لكنها ترفض ما تعتبره “تشويها ممنهجا” لصورة الجيش. وبين اتهامات الأمم المتحدة ونفي السلطات، يظل السؤال الأهم مطروحا: هل يتعلق الأمر بمسعى حقيقي لحماية حقوق الأطفال، أم بورقة ضغط جديدة تستعملها القوى الكبرى لإعادة ترتيب النفوذ في منطقة الساحل؟