تتعاقب الأزمنة ويفنى كل شيء .. وحدها الذكريات تبقى موشومة في الذاكرة خارج نطاق الحدود. تتغير ملامح الأشياء والبشر، لم يسلم الحي من هذه العدوى بحيث هدمت جل منازله المتهالكة والآيلة للسقوط، وعوضت بمساكن عصرية من حديد وإسمنت. فتحت المقاهي والمحلات التجارية. هناك من ودع الحياة، وهناك من هو قادم إليها. دورة عجيبة تشبه الدورة الدموية التي تبتدئ من القلب لتنتهي عنده.
أي نعم، تغير كل شيء إلا هو. وجدناه كما عهدناه: بريء، شريف، جليل، صاحب بركات وكرامات. كل ما طرأ عليه من تغيير، مجرد “رتوشات ” بسيطة بدت على جسمه السمين من خلال تأثير الزمن. إنه زينة الحي وبهجته. الفرحة تتبعه أينما حل وارتحل. وعندما كان صغيرا، كان يمشي في الزقاق متأبطا لوحه الخشبي في اتجاه المسيد، وبيده الأخرى يمسك كسرة خبز حافية، لايدري أحد في أي وقت سيلتهمها. وعند خروجه منه، يبقى متأبطا لوحه فارغا دون أن يكتب فوقه شيئا. كنت تراه يخترق الأزقة، يجري، ينط، يضحك ويغني. كانت كل أغنياته مثيرة للضحك، فهي إما ناقصة وإما كلماتها مقلوبة رأسا على عقب. كان الناس يسمعونه بشغف، فيعجبون به ويتفانون في حبه. وفي كل مرة كان يمر بقربهم، ينادون عليه، وبسرعة البرق تندلع بينه وبينهم حوارات كومدية ساخنة ، فتكون المتعة ويكون الحب. وعند انتهائه من العرض، يقف في رصانة ويصدر ابتسامة خفيفة ومتقطعة، تارة تظهر، وأخرى تختفي، ثم يفتح كفه محاديا لخصره، وإبهامه مثني، بينما أصابعه الأربعة الأخرى فمنتصبة. يفهم قصده فيعطى. وبعد احتكامه على الأربعة ريال، ينسحب وهو ينط كطائر من مكان إلى مكان حتى يختفي عن الأنظار وراء جدران المنازل.
وذات مرة ، في إحدى العطل الصيفية ، حيث يحضر جل الغائبين عن الحي ، جلس بعض الأصدقاء على إحدى المقاهي من أجل الحديث والسمر. وبينما هم منغمسون في حديثهم لمحت عينا أحدهم شخصا يبدو في الأربعين من عمره بجثته الضخمة وعينيه المخيفتين متسمرا أمامه وكأنه ينوي الشجار. كان واقفا يسترق بعض النظرات، وكسرة الخبز الحافية في يده ، مرسلا إليه بين الفينة والأخرى، ابتسامة غير مكتملة ! وبعد لحظات ، وضع كسرة الخبز في جيبه ، ثم رفع كفيه لتبرز أصابع يديه العشرة منتصبة ، فقال الشاب في دهشة :
ـ من ؟! مسرور؟َ لقد كبرت وتطورت أيها ً الحلوفً ! أمن أربعة ريال إلى عشرة؟ يا للعجب!! …يتبع.
توظيف السارد للغة سهلة بسيطة بعيدة كل البعد عن معجم الحذلقة والتعالي هذا إلى جانب توظيفه لتقنتي الوصف والسرد بنوع من التوازن والاقتدار وهو يمارس الإبحار والحفر في الذاكرة أضفى على النص مسحة من التشويق والمتعة لدى المتلقي الشيء الذي يجعله متحفزا باستمرارلمواصلة القراءة بنوع من الشراهة والتهام مزيدا من النصوص الإبداعية من هذا النمط ولسان حاله يقول هل من مزيد يا نجيب؟؟ بعد ما يكون هذا الأخير قد أدركه الصباح فسكت عن الكلام المباح. فتحية عطرة لك أيها الفنان المبدع مع إشراقة كل شمس من ابن الحي في الـــــــــــــــــــدار الـــــــــــــقــــــــديـــــــــــــمــــــــــــــــة.
غ من ابن الحي توظيف السارد للغة سهلة بسيطة بعيدة كل البعد عن معجم الحذلقة والتعالي هذا إلى جانب توظيفه لتقنتي الوصف والسرد بنوع من التوازن والاقتدار وهو يمارس الإبحار والحفر في الذاكرة أضفى على النص مسحة من التشويق والمتعة لدى المتلقي الشيء الذي يجعله متحفزا باستمرارلمواصلة القراءة بنوع من الشراهة والتهام مزيدا من النصوص الإبداعية من هذا النمط ولسان حاله يقول هل من مزيد يا نجيب؟؟ بعد ما يكون هذا